الإسهاب المُخِلّ في التفصيل المُمِلّ!

بحُكم السَّنوَات التي أَنفقتُهَا –أَو لنَقُل بَعثرتُهَا- فِي تَحليل مَضمُون النَّص، أَو كَمَا يَقُولُون Content analysis ، أَخَذَت اللُّغَة تَشغل مسَاحَات كَبيرَة مِن تَفكيري، لِذَلك أَصبَح عَقلِي، وكَأنَّه نِظَام سَاهِر، يَرصد المُخَالَفَات اللُّغويَّة، أَو المُخَالَفَات الدَّلاليَّة لمَضمون المَعَاني، أَو حَتَّى للمُطَابَقَة بَين الفِكر واللُّغَة، وإليكُم الأَمثِلَة:

يَتحدَّث أَحدُهم إليكَ، ويَبدَأ بسَردِ قصَّة، وبَعد رُبع سَاعَة يَقُول لَك: المُهمّ، «مَالَك بطوَالتهَا»، أَو مَالَك بطُول القصَّة، ثُمَّ يَستَمر، وبَعد نِصف سَاعَة يَقول: المُهمّ، وتَشعُر أنَّه سيَقول المُهمّ، ثُمَّ يَتحدَّث كَثيراً، وأَنتَ تَنتَظر المُهمّ، وبَعد أَنْ يَتحدَّث عَن خَمس مَوضُوعَات مُختَلِفَة، يَرصدهَا نِظَام سَاهِر اللُّغوَي، يَقول لَك: المُهمّ: الزّبدة ومَا فِيهَا، ثُمَّ يَتحدَّث سَاعَةً أُخرَى، وأَنتَ تَنتَظر الزِّبدَة والمُهم وأَي بَادِرَة للاختصَار، ليَقول لَك: «مَا أَبغَى أطوّل عَليك»..!


وإذَا كَان مِن الذين يَتحدَّثون الإنجليزيَّة باستعرَاض، سيَقول لَك: To make the story shorter ، أَي لجَعْل القصَّة أَقصَر، وأَنتَ بوَصفكَ مُستَمعاً، مَازلتَ تَنتَظر الخُلَاصَة، التي يَتدَاخل فِيهَا نِظَام سَاهِر العَربي، مَع نِظَام سَاهر الإنجليزي، ومَازلتَ تَنتَظر الزِّبدَة، وتَمرّ بَعد سَاعَات، والزِّبدَة لَم تَظهَر، والمُهمّ لَم يُقَل بَعد، فتُفَاجَأ بالمُتحدِّث يَقول لَك: المُهمّ أذّن العشَاء عِندنَا فِي الرِّيَاض، سأُكلّمك بَعد الصَّلَاة..!

ومِثالٌ آخَر يَنطَبق عَلَى النِّسَاء، وإنْ كَان بَعض الرِّجَال –سَامحهم الله- بَدؤوا بالتَّشبُّه بِهم، فمَثلاً عِندَمَا تَسأَل امرَأة: هَل اشتَريتِ حَليب الأَطفَال؟، مِن المُستَحيل أَنْ تُجيب بنَعم أَو لَا، بَل ستَكون الإجَابَة – كَمَا أَتوقّعها- عَلَى النَّحو التَّالِي: خَرجتُ بَعد المَغرب للسُّوبَر مَاركت لأَشتَري الحَليب، وعِندَمَا انتَصفتُ فِي الطَّريق، تَذكَّرتُ أنَّني نَسيتُ المَحفظَة فِي المَنزِل، وحِينَ عُدتُ إلَى المَنزِل، وَجدتُ الشَّغَّالة لَم تَغسل الصّحون، فزَجرتُهَا عَلَى ذَلك، ثُمَّ أَخذتُ المَحفَظَة وذَهبتُ، وحِين وَصلَنَا إلَى السُّوبَر مَاركت، أَذّن العِشَاء، فجَلستُ أَقطّع الوَقت فِي الشَّوَارِع، وفَجأَة أَخبَرني السَّائِق أَنَّ الكَفَر قَد بَنْشَر، فاضطَررنَا لإصلَاحهِ، وحِينَ ذَهبنَا للسُّوبَر مَاركت، وَجدنَا زِحَاماً شَديداً، وبَعد نِصف سَاعَة، وَجدتُ الحَليب الذي أُريد، ولَكن تَاريخ صَلاحيّته قَريب الانتهَاء، فبَحثَتُ عَن مُدير المَتجر لأَتحدَّث مَعه، وأَوصَلُونِي عِندَه، فقُلتُ لَه، وقَالَ لِي، المُهم «مَالَك فِي طُول القصَّة»، وأَحضُروا لِي حَليباً طَويل الأَجَل، وحِينَ خَرَجتُ لَم أَجِد السَّائِق، فحَاوَلتُ الاتِّصَال بِهِ، فإذَا ببطَّارية جَوَّالي فَارِغَة، فاضطَرَرتُ إلَى ركُوب لِيمُوزين، ومَعي الحَليب، وذَهبتُ إلَى المَنزِل..!


حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: يَا قَوم، كَمَا تُغيِّرون أَثَاث المَنَازِل، فِي كُلِّ زَمَانٍ ومَكَان، حَاوَلوا مَرَّة فِي السَّنة أَن تُغيّروا أَثَاث اللِّسَان، وتَعلّموا الاختصَار، فالزَّمَن لَم يَعُد يَتحمّل الثَّرثَرَة والإطَالَة، وتَفَاصيل التَّفَاصيل، واجعَلوا صَديقي الهُدهُد قُدوَتكم، حِينَ لَخَّص رِسَالَة كَامِلَة فِي ثَمَاني كَلِمَات، قَائِلاً: (إنَّه مِن سُليمَان، وإنَّه بسم الله الرَّحمَن الرَّحيم)..!!

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!