عاصم حمدان.. وجه المدينة

من الصور التي لا تغيب عن بالي دائمًا صورة والدي رحمه الله وهو يجلس في مكتبه عصرًا يقرأ صحيفة المدينة، والتي كان -رحمه الله- حريصًا على قراءة مقالات كُتَّابها كل يوم، ومن بين قائمة الكتاب الكرام في هذه الصحيفة يظهر وجه حجازي صبوح يعتمر عمامة بيضاء يكتب عن تاريخ المدينة المنورة بلغة العالم والمؤرخ والخبير، بأسلوب سلس جذاب، ذلك كان الأستاذ الدكتور عاصم حمدان رحمه الله.

تلك كانت بداية معرفتي بالدكتور عاصم رحمه الله، ومن تلك الأيام وأنا على مقاعد الدراسة، لا يذكر عاصم حمدان إلا وتذكرت صحيفة المدينة، وتذكرت المدينة المنورة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ولا تذكر كلمة المدينة، الصحيفة أو طيبة الطيبة، إلا وتذكرت أبي رحمه الله الذي كان يحب طيبة الطيبة ويحب صحيفة المدينة ويحب مقالات الدكتور عاصم رحمه الله.


تداعت هذه الذكريات إلى ذهني عند سماعي نبأ وفاة أخي الفاضل الدكتور عاصم رحمه الله، والذي جمعتني به زمالة العمل في كلية الآداب والعلوم والإنسانية في جامعة الملك عبدالعزيز، والعديد من الجلسات والمسامرات الفكرية والأدبية بمنزل أستاذي الأستاذ الدكتور محمد خضر عريف.

كان الدكتور عاصم رحمه الله يناديني دومًا (بابن العم)، في إشارة لطيفة إلى أصول عائلته الكريمة التي تعود إلى قرية الطرفين من بني علي من بني أحمد من بني ظبيان من غامد.


كان رحمه الله متزنًا رصينًا خلوقًا معتدلًا، ملأت طيبة الطيبة روحه وعقله ووجدانه فكان من أبرز الذين تناولوا تاريخ المدينة المنورة في العصر الحديث، وألّف فيها أكثر من سبعة كتب توثق تاريخ المدينة المنورة الأدبي والثقافي، كما كرَّمته المدينة المنورة مرتين، الأولى بجائزة نادي المدينة الأدبي، والثانية على يد أمير المدينة المنورة آنذاك الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز في ملتقى العقيق الثقافي، كما تم تكريمه رحمه الله خارج المدينة المنورة في عدة محافل لجهوده الأكاديمية وإنجازاته العلمية ومبادراته الثقافية والأدبية.

وقد صدق رحمه الله كل الصدق وأنصعه فيما كتبه عن معالي الدكتور عبدالرحمن اليوبي حفظه الله، وهو الآن يتلقى أجر الصادقين باستحقاق، فجزاه الله جزاء الصادقين عن صدقهم، وقد كان من الوفاء ما وجه به معالي الدكتور اليوبي بإعادة طباعة كتب ومؤلفات الدكتور عاصم والتي تعد إرثًا تاريخيًا وأدبيًا هامًا.

كان رحمه الله يعاني من زمان طويل من المرض، ولكنه كان صابرًا مقاومًا محتسبًا، فرحم الله الأخ الفاضل الأصيل الأستاذ الدكتور عاصم حمدان رحمة واسعة وغفر له، وأكرم نزله، وجزاه عن العربية والتراث العربي وعن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وبقاعها ومعالمها ورجالها وتراثها خير الجزاء، وأحسن خلفه في أهله وأصحابه وأمته ووطنه، وإن في الله لعوضًا عن كل فائت.

* عميد كلية الدراسات العليا التربوية بجامعة الملك عبدالعزيز

أخبار ذات صلة

حياة جديدة وملهمة بعد الثمانين!
قصَّة غزَّة وعُزيْر..!!
الطائف والمشروعات التنموية
مراكز الأحياء ومرتكزات النجاح
;
بيجـــر
مسميات انحرفت بالأمة وشرمذتها
شيخ خبير خلف مهرجان البحر الأحمر السينمائي
دور البيئة البركانية في العمارة والتاريخ
;
يقول الناس!!
ثقافتنا.. والشركات الاستشارية الأجنبية
أبناؤنا واللغة العربية.. الهوية والإبداع
تعلم اللغة العربية جوهر جودة التعلم
;
أثر (القيلولة).. في تحسن التفكير الإبداعي
بين صيفين!!
سيناريوهات برنارد لويس في العالم الإسلامي
الصمت المُقنع