«وجدة»: العمل والأثر.. وكوارث رمضان؟
تاريخ النشر: 18 يونيو 2020 00:15 KSA
لم تعد أهمية الفن مسألة قابلة للإنكار أو التشكيك على ما يبدو، بعد أن أصبح أحد أبرز أدوات العصر الحديث للتعليم، والتربية، والتثقيف، وعكس صور الواقع ونقدها، هذا بالإضافة إلى الترفيه بطبيعة الحال، وإدراك الجمال بوصفه أحد الأهداف السامية للوجود الإنساني، فلطالما كان السعي للجمال حلمًا بشريًا يستحق النضال والعمل.
يبدو أيضًا أن الأعمال الفنية السعودية بدأت تشق طريقها نحو هذا العالم، بشيء من الحماس والفاعلية، في محاولة لمواكبة ما فاتنا، خلال عقود من المقاومة والرفض، وإحباط المحاولات.
أذكر الآن حين فاجأتنا المخرجة السعودية هيفاء منصور في العام 2012 بالفيلم السينمائي (وجدة).. كنا في بريطانيا، حين بدأت دور السينما تعرض الفيلم حول العالم.. اتفقت مع صديقي البريطاني (بيتر)، لمشاهدة الفيلم سويًا.. وهذا ما فعلناه في مدينة يورك.. كان الفيلم يُعرض في دار سينما جميلة وفاخرة، ودُهشتُ حقيقة حين وجدتُ القاعة ممتلئة.. (لا أخفيكم أني وقفت أنظر للحضور؛ كانوا مشكلين؛ إنجليزًا من البِيض وغيرهم، عربًا، وآسيويين).
تدور أحداث (وجدة) كما تعلمون حول فتاة صغيرة تقرر أن تشتري دراجة هوائية، فتبدأ في صنع كل شيء لتجمع نقود الدراجة، وتواجه كل العقبات (الاجتماعية والاقتصادية) التي تعترضها لتحقيق طموحها.. تُستخدم الدراجة بذكاء في الفيلم لتكون الأداة الكاشفة عن قضايا وصراعات اجتماعية مختلفة في مجتمع الفيلم.. تلقى العمل كثيرًا من الإعجاب، وتلقت هيفاء المنصور المديحَ وبعض الجوائز، والعمل وفقًا لإمكاناته المتواضعة مقارنة بالسينما العالمية يستحق الإشادة.. ورغم ذلك فلم يخل الفيلم في رأيي من الملاحظات التي كانت تحتاج لتجويد: حبكة السيناريو كانت تحتاج لنظر، كما أن الانتقال بين المشاهد والمواقف كان يثير أسئلة حول ترابط العمل، بالإضافة إلى أن صعود الحبكة الدرامية نحو نقطة التوتر كان هشًا بشكل ملحوظ.. ويبقى الاستعجال (والكروتة) مشكلة حقيقية في الفن الخليجي.. لا تشعر أن المخرج يعطي نفسه الوقت الكافي أثناء تجهيز العمل وتصويره، وبعد الانتهاء منه، كي يتأمل في المنتج من وجهة نظر متذوق متمرّس.. من هنا ظهرت بعض الأخطاء الساذجة، التي كان يمكن تجاوزها بكل سهولة.
تجادلتُ مع رفيقي بيتر، على فنجان قهوة، حول إخراج الفيلم، وحول القضايا التي يطرحها؛ اتفقنا تقريبًا حول كل ما ذكرتُ من ملاحظات، وأُعجبَ بيتر بجمال ريم عبدالله... ولم أجادله في ذلك.. سألني بمكر: كيف تغدو الأنثى بلا حيلة ولا رأي وهي تشاهد زوجها الذي يحبها ويحترمها يذهب ليتزوج غيرها ليرضي أمه فقط؟ قلت له: الله أعلم؟!
بعد فترة أعلن نادي الطلبة في عمادة شؤون الطلاب بجامعة ليدز عن عرض فيلم (وجدة) في الجامعة، كان خلف الموضوع فتاة سعودية مثابرة وذكية.. وكالعادة، فقد امتلأت القاعة بالحضور.. وكان ما كان من سجال حول العمل.. وبعد أيام اتصلت بي سكرتيرة الكلية تعرض عليّ فكرتها؛ قررت أن تعرض الفيلم في بيتها الذي كان يقع في مدينة صغيرة مجاورة، وقد وجّهت دعوة لجاراتها، وطلبت مني أن أحضر للإجابة على أسئلة الحضور، وهذا ما كان.
دار النقاش حول ما يقوله العمل، وحول ما لا تقوله الصورة؛ حول الأماكن، والتطور العمراني، وحول حرية المرأة.. لم يبد للحاضرين والحاضرات أن مجتمع المملكة مختلف؛ متعدد وطموح مثل باقي المجتمعات التي تناضل للتقدم للأمام، رغم العقبات والخيبات أحيانًا.. وكانت قضية الزواج والعلاقة بين الجنسيْن أكثر ما جذب الاهتمام، وسألت إحدى الحاضرات: هل يمكن أن تتحول مسألة شراء دراجة لبنت صغيرة قضية شائكة ومعقدة؟ فقلت: لم لا...!!
****
لاحظوا أن كل هذا الحراك الذي وجدتُ نفسي طرفًا فيه، كان خلفه (فيلم) سينمائي واحد فقط.. نعم.. هذا ما تفعله السينما، وهذه وظيفة الفنون.. ولكن لابد من التذكير أن التطور الطبيعي للفن لن يبدأ إلا بعد أن يتحول إلى صناعة محترفة، تبدأ بإيمان المجتمع بضرورة الفنون، وانتشار المعاهد والمؤسسات الأكاديمية المتخصصة، بحيث تبدأ هذه المؤسسات في تخريج محترفين في كافة مجالات وأقسام صناعة الفنون. من شأن هذا أن يرفع الوعي، وينشئ طبقة من المتخصصين، وأجيالاً من الفنانين والكتاب والمنتجين والموسيقيين والتشكيليين، يؤدي احترافهم ونضجهم إلى مرحلة التنافس المهني والتجاري الحقيقية، وهو ما سيسهم في تطوير المنتج الفني وإنضاجه، فلا نعود نندب حظنا على أعمال رديئة مثل أعمال رمضان الماضي، تلك التي تشعرك بالخجل، وأنت ما لك أي شغل في الموضوع (حسب تعبير الناقد الفني الجميل عبدالمجيد الكناني).
يبدو أيضًا أن الأعمال الفنية السعودية بدأت تشق طريقها نحو هذا العالم، بشيء من الحماس والفاعلية، في محاولة لمواكبة ما فاتنا، خلال عقود من المقاومة والرفض، وإحباط المحاولات.
أذكر الآن حين فاجأتنا المخرجة السعودية هيفاء منصور في العام 2012 بالفيلم السينمائي (وجدة).. كنا في بريطانيا، حين بدأت دور السينما تعرض الفيلم حول العالم.. اتفقت مع صديقي البريطاني (بيتر)، لمشاهدة الفيلم سويًا.. وهذا ما فعلناه في مدينة يورك.. كان الفيلم يُعرض في دار سينما جميلة وفاخرة، ودُهشتُ حقيقة حين وجدتُ القاعة ممتلئة.. (لا أخفيكم أني وقفت أنظر للحضور؛ كانوا مشكلين؛ إنجليزًا من البِيض وغيرهم، عربًا، وآسيويين).
تدور أحداث (وجدة) كما تعلمون حول فتاة صغيرة تقرر أن تشتري دراجة هوائية، فتبدأ في صنع كل شيء لتجمع نقود الدراجة، وتواجه كل العقبات (الاجتماعية والاقتصادية) التي تعترضها لتحقيق طموحها.. تُستخدم الدراجة بذكاء في الفيلم لتكون الأداة الكاشفة عن قضايا وصراعات اجتماعية مختلفة في مجتمع الفيلم.. تلقى العمل كثيرًا من الإعجاب، وتلقت هيفاء المنصور المديحَ وبعض الجوائز، والعمل وفقًا لإمكاناته المتواضعة مقارنة بالسينما العالمية يستحق الإشادة.. ورغم ذلك فلم يخل الفيلم في رأيي من الملاحظات التي كانت تحتاج لتجويد: حبكة السيناريو كانت تحتاج لنظر، كما أن الانتقال بين المشاهد والمواقف كان يثير أسئلة حول ترابط العمل، بالإضافة إلى أن صعود الحبكة الدرامية نحو نقطة التوتر كان هشًا بشكل ملحوظ.. ويبقى الاستعجال (والكروتة) مشكلة حقيقية في الفن الخليجي.. لا تشعر أن المخرج يعطي نفسه الوقت الكافي أثناء تجهيز العمل وتصويره، وبعد الانتهاء منه، كي يتأمل في المنتج من وجهة نظر متذوق متمرّس.. من هنا ظهرت بعض الأخطاء الساذجة، التي كان يمكن تجاوزها بكل سهولة.
تجادلتُ مع رفيقي بيتر، على فنجان قهوة، حول إخراج الفيلم، وحول القضايا التي يطرحها؛ اتفقنا تقريبًا حول كل ما ذكرتُ من ملاحظات، وأُعجبَ بيتر بجمال ريم عبدالله... ولم أجادله في ذلك.. سألني بمكر: كيف تغدو الأنثى بلا حيلة ولا رأي وهي تشاهد زوجها الذي يحبها ويحترمها يذهب ليتزوج غيرها ليرضي أمه فقط؟ قلت له: الله أعلم؟!
بعد فترة أعلن نادي الطلبة في عمادة شؤون الطلاب بجامعة ليدز عن عرض فيلم (وجدة) في الجامعة، كان خلف الموضوع فتاة سعودية مثابرة وذكية.. وكالعادة، فقد امتلأت القاعة بالحضور.. وكان ما كان من سجال حول العمل.. وبعد أيام اتصلت بي سكرتيرة الكلية تعرض عليّ فكرتها؛ قررت أن تعرض الفيلم في بيتها الذي كان يقع في مدينة صغيرة مجاورة، وقد وجّهت دعوة لجاراتها، وطلبت مني أن أحضر للإجابة على أسئلة الحضور، وهذا ما كان.
دار النقاش حول ما يقوله العمل، وحول ما لا تقوله الصورة؛ حول الأماكن، والتطور العمراني، وحول حرية المرأة.. لم يبد للحاضرين والحاضرات أن مجتمع المملكة مختلف؛ متعدد وطموح مثل باقي المجتمعات التي تناضل للتقدم للأمام، رغم العقبات والخيبات أحيانًا.. وكانت قضية الزواج والعلاقة بين الجنسيْن أكثر ما جذب الاهتمام، وسألت إحدى الحاضرات: هل يمكن أن تتحول مسألة شراء دراجة لبنت صغيرة قضية شائكة ومعقدة؟ فقلت: لم لا...!!
****
لاحظوا أن كل هذا الحراك الذي وجدتُ نفسي طرفًا فيه، كان خلفه (فيلم) سينمائي واحد فقط.. نعم.. هذا ما تفعله السينما، وهذه وظيفة الفنون.. ولكن لابد من التذكير أن التطور الطبيعي للفن لن يبدأ إلا بعد أن يتحول إلى صناعة محترفة، تبدأ بإيمان المجتمع بضرورة الفنون، وانتشار المعاهد والمؤسسات الأكاديمية المتخصصة، بحيث تبدأ هذه المؤسسات في تخريج محترفين في كافة مجالات وأقسام صناعة الفنون. من شأن هذا أن يرفع الوعي، وينشئ طبقة من المتخصصين، وأجيالاً من الفنانين والكتاب والمنتجين والموسيقيين والتشكيليين، يؤدي احترافهم ونضجهم إلى مرحلة التنافس المهني والتجاري الحقيقية، وهو ما سيسهم في تطوير المنتج الفني وإنضاجه، فلا نعود نندب حظنا على أعمال رديئة مثل أعمال رمضان الماضي، تلك التي تشعرك بالخجل، وأنت ما لك أي شغل في الموضوع (حسب تعبير الناقد الفني الجميل عبدالمجيد الكناني).