وداع الأديب المناع
تاريخ النشر: 25 يناير 2021 00:11 KSA
في الرابع من أكتوبر 2019 كنت أمارس هوايتي بالمشي بين جادات روما حين وجدت نفسي ماثلاً أمام تمثال أمير الشعراء «أحمد شوقي» الشهير في حديقة الخالدين في «ڤيلا بورجيزي» كتب بجانبها PIAZALLE AHMAD SHAWKY وتحتها: «الشاعر العربي أحمد شوقي» ١٨٦٨-١٩٣٢.
وتذكرت على الفور القصة الطريفة التي رواها أديبنا الكبير عبدالله مناع:
«فبعد أن عدت في أواخر الستينيات الميلادية من رحلتي الأولى الطويلة والجميلة لـ(إيطاليا).. وقد كانت بدعوة من الخارجية الإيطالية للتعرف على إيطاليا وحياتها ومجتمعها الثقافي والسياسي ولقاء من أحب من أدبائها، وقد التقيت فعلاً بروائيها الأشهر والأعظم (ألبرتو مورافيا) والشاعر (سيلفادور كوازيمودو) الحاصل على نوبل للآداب عام (1959م).. كان ضرورياً أن أكتب عن تلك الرحلة، وقد كتبت فعلاً أربع حلقات مطولة بدأتها بالحديث عن روما وحديقتها الشهيرة (فيلا بورجيزي) كما هي بالإيطالية و(حديقة الخالدين).. كما هي ترجمتها بـ(العربية) والتي تضم في جنباتها تماثيل لأساطين الفكر والأدب والشعر والفلسفة في العالم ومن بينهم تمثال لـ(شوقي) الذي ذهبت لرؤيته، لكن مصحح الجريدة الشيخ الجميل أبو تراب الظاهري.. وقد كان يعمل بها مساءً بينما يعمل موظفاً بـ(إدارة المطبوعات) في وزارة الإعلام صباحاً اعترض وهو يقوم بعمله على كلمة (حديقة الخالدين).. لأن (الخالد) هو الله وليست هذه التماثيل وأصحابها، فقلت له: وما العمل..؟
فقال: نغير اسمها (!!)
قلت: إلى ماذا..؟
قال: إلى (حديقة النابهين)!!
قلت: ولكن القارئ سيلتبس عليه الأمر، فلا يعرف عن أي حديقة أتحدث.. خاصة أنه لا توجد في (روما) حديقة اسمها (حديقة النابهين)..!
ولم نجد حلاً إلا باستخدام كلمة (حديقة: فيلا بورجيزي).. دون استخدام كلمة (الخالدين) التي تحفظ عليها الشيخ أبو تراب.. رحمه الله».
أكتب هذه التتمة بمداد الأسى بعد غياب الأديب الطبيب الدكتور المناع الذي وافته المنية أول أمس السبت.
عرفته موسوعة أدبية فكرية ذا قلم جريء، وصاحب حديث شيق جعلنا نحلق حوله في أمسية أسبوعية مع بعض الأصدقاء المثقفين.. ورغم قامته الكبيرة كان غاية في التواضع معي ومع غيري ولم يشعرني يوماً بأي فوقية أو تعالٍ.
لبى كل أمسية دعوته لها، وأتذكر أمسية توقيع كتاب «أربعون ألف قدم فوق سطح الماء» حين تحدث عن نشأة وتاريخ طقس توقيع الكتب في فرنسا ثم قال عن كتابي الوليد واصفاً أسلوبه بالأسلوب التلغرافي الخفيف الذي يذكره بأسلوب «همنغوي» في لمسة تشجيع ودعم كبيرة ومقارنة لا أستحقها بأديب عالمي.
كان للدكتور المناع حس فكاهي ساخر لم يجهله كل من عرفوه، وأذكر ذلك الموقف الذي حصل له في أمسية دعي للحديث فيها حين قال:
«ما جعلني أتوجه إلى ركن المتحدثين.. فأرى رؤساء الأندية الأدبية ونجوم الأدب والفكر وأساتذة النقد الأدبي.. وهم يحتلون الصفوف الأولى من القاعة، لأهنئ الفائزيْن، ولأتحدث بما جادت به تلك اللحظات.. عن (الجائزة) وقصتها.. لأداعب في النهاية أساتذة النقد والدراسات الأدبية بـ(مقولة) الباحث والناقد الألماني (جورج شتاينر): (النقاد.. براغيث في فراء المبدعين)..!! لأتعجل هبوطي بعدها.. فيستقبلني أحد الصحفيين الزملاء قائلاً: (كلمة جميلة)، وليقول آخر: (إنها.. واقعية)..! وليقول ثالثهم: (ولكنها.. ثقيلة)!! وهو ما استقر في وعيي.. وجعلني أنتوي تطييب خواطر (النقاد)، والاعتذار لهم في أول مقال أكتبه، لأقول لهم صادقاً: عفواً و(معذرة).. نقادنا الأعزاء».
الوداع أديبنا المناع.
وتذكرت على الفور القصة الطريفة التي رواها أديبنا الكبير عبدالله مناع:
«فبعد أن عدت في أواخر الستينيات الميلادية من رحلتي الأولى الطويلة والجميلة لـ(إيطاليا).. وقد كانت بدعوة من الخارجية الإيطالية للتعرف على إيطاليا وحياتها ومجتمعها الثقافي والسياسي ولقاء من أحب من أدبائها، وقد التقيت فعلاً بروائيها الأشهر والأعظم (ألبرتو مورافيا) والشاعر (سيلفادور كوازيمودو) الحاصل على نوبل للآداب عام (1959م).. كان ضرورياً أن أكتب عن تلك الرحلة، وقد كتبت فعلاً أربع حلقات مطولة بدأتها بالحديث عن روما وحديقتها الشهيرة (فيلا بورجيزي) كما هي بالإيطالية و(حديقة الخالدين).. كما هي ترجمتها بـ(العربية) والتي تضم في جنباتها تماثيل لأساطين الفكر والأدب والشعر والفلسفة في العالم ومن بينهم تمثال لـ(شوقي) الذي ذهبت لرؤيته، لكن مصحح الجريدة الشيخ الجميل أبو تراب الظاهري.. وقد كان يعمل بها مساءً بينما يعمل موظفاً بـ(إدارة المطبوعات) في وزارة الإعلام صباحاً اعترض وهو يقوم بعمله على كلمة (حديقة الخالدين).. لأن (الخالد) هو الله وليست هذه التماثيل وأصحابها، فقلت له: وما العمل..؟
فقال: نغير اسمها (!!)
قلت: إلى ماذا..؟
قال: إلى (حديقة النابهين)!!
قلت: ولكن القارئ سيلتبس عليه الأمر، فلا يعرف عن أي حديقة أتحدث.. خاصة أنه لا توجد في (روما) حديقة اسمها (حديقة النابهين)..!
ولم نجد حلاً إلا باستخدام كلمة (حديقة: فيلا بورجيزي).. دون استخدام كلمة (الخالدين) التي تحفظ عليها الشيخ أبو تراب.. رحمه الله».
أكتب هذه التتمة بمداد الأسى بعد غياب الأديب الطبيب الدكتور المناع الذي وافته المنية أول أمس السبت.
عرفته موسوعة أدبية فكرية ذا قلم جريء، وصاحب حديث شيق جعلنا نحلق حوله في أمسية أسبوعية مع بعض الأصدقاء المثقفين.. ورغم قامته الكبيرة كان غاية في التواضع معي ومع غيري ولم يشعرني يوماً بأي فوقية أو تعالٍ.
لبى كل أمسية دعوته لها، وأتذكر أمسية توقيع كتاب «أربعون ألف قدم فوق سطح الماء» حين تحدث عن نشأة وتاريخ طقس توقيع الكتب في فرنسا ثم قال عن كتابي الوليد واصفاً أسلوبه بالأسلوب التلغرافي الخفيف الذي يذكره بأسلوب «همنغوي» في لمسة تشجيع ودعم كبيرة ومقارنة لا أستحقها بأديب عالمي.
كان للدكتور المناع حس فكاهي ساخر لم يجهله كل من عرفوه، وأذكر ذلك الموقف الذي حصل له في أمسية دعي للحديث فيها حين قال:
«ما جعلني أتوجه إلى ركن المتحدثين.. فأرى رؤساء الأندية الأدبية ونجوم الأدب والفكر وأساتذة النقد الأدبي.. وهم يحتلون الصفوف الأولى من القاعة، لأهنئ الفائزيْن، ولأتحدث بما جادت به تلك اللحظات.. عن (الجائزة) وقصتها.. لأداعب في النهاية أساتذة النقد والدراسات الأدبية بـ(مقولة) الباحث والناقد الألماني (جورج شتاينر): (النقاد.. براغيث في فراء المبدعين)..!! لأتعجل هبوطي بعدها.. فيستقبلني أحد الصحفيين الزملاء قائلاً: (كلمة جميلة)، وليقول آخر: (إنها.. واقعية)..! وليقول ثالثهم: (ولكنها.. ثقيلة)!! وهو ما استقر في وعيي.. وجعلني أنتوي تطييب خواطر (النقاد)، والاعتذار لهم في أول مقال أكتبه، لأقول لهم صادقاً: عفواً و(معذرة).. نقادنا الأعزاء».
الوداع أديبنا المناع.