المتقاعدون بين الإفادة والاستظراف!

· للأمانة.. لم أتفاجأ كثيراً بما ورد في إحدى قنواتنا الوطنية من سخرية ممجوجة على شريحة عزيزة هي شريحة المتقاعدين، صحيح أنها جرأة جاءت في غير محلها؛ ومن جهاز إعلامي رسمي (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة) لكن دعونا نتوقف قليلاً ونتساءل: أليس ما ذكر في البرنامج هو ما يتداوله الناس فعلاً في مجالسهم عن المتقاعدين؟!، أليست هذه هي الصورة الذهنية للمتقاعد في العقل الجمعي المحلي، وهي صورة حتى وإن رفضناها وأعلنّا غضبنا وشجبنا واستنكارنا لها ولمن نشرها، إلا أنها سائدة وغالبة ومستمدة من واقع مؤلم يعيشه المتقاعد الذي تضطره الظروف للبقاء بالفعل بين تلك الخيارات الأربعة المضحكة؟.

· ومع شكرنا الجزيل للمجاملة اللطيفة التي قامت بها المؤسسة العامة للتقاعد وهيئة الإذاعة والتلفزيون بالاعتذار و (تطييب خاطر) المتقاعدين وذويهم من خلال بيانين منفصلين إلا أنها تظل مجرد كلمات لا تغير من واقعهم شيئاً، فقناعة المجتمع وكثير من المسؤولين تقول إن المتقاعد ليس لديه ما يضيفه، ويجب أن تعطى الفرصة للشباب في تطوير المجتمع، بالتعاون مع بيوت الخبرة العالمية، وهذا قد يكون صحيحاً، لكن أليس من المهم أيضاً إشراك الخبرات المحلية التي تدرك أبعاداً قد لا يدركها الشباب ولا حتى الخبرات القادمة من الخارج.


· خرج هنري كيسنجر من وزارة الخارجية الأمريكية في العام 1977 أي قبل 44 عاماً، لكن الرجل الذي اقترب اليوم من سن المائة عام، لايزال مطلوباً من الجامعات ومراكز البحث ووسائل الإعلام ودُور النشر الأمريكية، ليس كيسنجر وحده فكثير من الخبراء الأمريكان والأوربيين يعودون للمشاركة كمستشارين في أماكن قد لا تكون بالضرورة في المقدمة ولا تتطلب جهداً بدنياً، لكنهم يلعبون أدواراً مؤثرة في الكثير من المواقع التي ترسم السياسات وملامح الحياة العامة كالمراكز الفكرية (Think Tank)، ومعاهد السياسة والمنظمات الخيرية .. يحدث هذا انطلاقاً من إيمان تلك المجتمعات أن الخبرات المتخصصة لا ينتهي دورها مع التقاعد أو حتى الإقالة، بل هي مصدر إلهام ورؤية عميقة يجب الاستعانة بها في بناء خطط للمستقبل، وفق خبرة عملية ومعرفة حقيقية ببواطن الأمور.

· لا شك أن لدينا بعض التجارب في هذا الشأن لكنها تظل تجارب محدودة وغير مؤثرة، ولا توازي أنهار الخبرات المتدفقة التي يئست وهي تبحث عن مصب مثمر ونافع يعود على المجتمع بالفائدة بدلاً من الهدر والضياع.. قد يقول البعض أن ظروف البطالة الحالية تفرض إعطاء الفرصة للشباب فأقول: إنه لا يوجد تعارض أصلاً في هذا، فأصحاب الخبرة تتم الاستعانة بهم في وظائف استشارية بعيدة عن الوظائف التنفيذية التي يبحث عنها الشباب، وهما يكملان بعضهما أكثر مما يتناقضان، فمن أهم مواصفات الخطط المستدامة الجيدة أن تمتزج فيها الخبرات العملية المستمدة من الواقع بالأسس العلمية الحديثة.


· العقول والكوادر السعودية التي قادت البلد لعقود ليست عاجزة عن تقديم المزيد والمزيد من العطاءات، المهم أن تجد الأماكن التي تحترمها ولا تنظر إليها كبضاعة منتهية الصلاحية لا تصلح لشيء غير التندر والاستظراف.

أخبار ذات صلة

الطرق البطيئة
في العتاب.. حياةٌ
مهارة الإنصات المطلوبة على المستوى الدولي
مقوِّمات.. لاستقرار الشركات العائلية
;
ستيف هوكينغ.. مواقف وآراء
لا تخرج من الصندوق!
(قلبي تولع بالرياض)
سياحة بين الكتب
;
تمويل البلديات.. والأنشطة المحلية
الإدارة بالوضوح!
نحـــــاس
أدوار مجتمعية وتثقيفية رائدة لوزارة الداخلية
;
«صديقي دونالد ترامب»
قِيم الانتماء السعودية
جدة.. الطريق المُنتظر.. مكة!!
إسراف العمالة (المنزليَّة)!