كيف أكون ناقدًا مسرحيًا: السؤال.. والقضية؟

كان هذا سؤالاً «أطلقه» المخرج المسرحي عبدالله بين عيفان في نهاية ندوة مسرحية ثرية -بما طرقته من موضوعات وما استفزته من أسئلة- نظمها مؤخراً فرع جميعة الثقافة والفنون بمدينة حائل، بإدارة د. جزاع الشمري، ومشاركة مميزة من الناقدين المسرحيين المتخصصيْن د. فيصل المتعب، ود. هدى عبدالعزيز.. كان استخدامي للفعل (أطلق) مقصوداً هنا، فقد أدركت بعداً عميقاً في سؤال بن عيفان، وهو المتخصص والمهتم الذي ينبثق وعيه من داخل المؤسسة الفنية المسرحية، كما أنه أضاف إلى نهاية سؤاله وصفاً للناقد: (كيف أكون ناقداً مسرحياً إيجابياً؟!)، وهو ما يعطي إشارة أيضاً إلى أن السؤال ينظر للممارسة النقدية نظرة جدية وواعية.

وقد أجاب الزميلان عن السؤال باقتدار، ويمكن -بما إني زميل في تخصص النقد- أن ألخص الإجابة هنا بالقول إن على من يريد الخوض في غمار النقد، مسرحياً كان أو غير ذلك، أن يفكر في ثلاثة أبعاد: (علمية المجال، وأهمية المنهج، وطبيعة المدونة المنقودة).. أعتقد أن الباحث يحتاج أن ينطلق من إيمان -مبني على معرفة- بأن النقد مجال علمي له شروطه المعرفية، مثله مثل باقي التخصصات العلمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.. لا يُدعى الشخص «عالمَ اجتماع»، ولا «طبيباً نفسياً» أو «عضوياً» إلا بعد حصوله على كفاية معرفية تلخصها في هذ الزمن (شهادة التخصص).. وهذا ينطبق -بطبيعة الحال- على النقد الذي أصبح منذ مطلع القرن العشرين -على الأقل- مجالاً علمياً مستقلاً تضبطه أطر معرفية، وله موضوعه الخاص، ومناهجه، ونظرياته، ومرجعياته الفلسفية.. النقد الذي لا ينطلق من التخصص نقدٌ انطباعي لا يعوّل عليه مهما كانت تجربة صاحبه.. (فكروا في غير المتخصص الذي يتحدث عن الطب من منطلق تجربته ومعرفته الخاصة، ألن يكون عدمُ تخصصه -بغض النظر عن ثراء تجربته- نقطةَ نقص وضعف لا يمكن تجاوزها. إن كنا تجاوزنا هذا الأمر فيما يخص الطب، فأعتقد أننا لا بد أن نفعل ذلك في مجال النقد أيضاً.


هذا الإيمان يقود إلى البعد الثاني، وهو أن النقد، بوصفه مجالاً علميًا مستقلاً، شكّل خلال تراكمات معرفية هوية خاصة تضم تحتها تاريخاً جدلياً من النظريات والمناهج والأدوات التي لا يمكن لغير المتخصص أن يستوعبها حق استيعابها.. وكما لا يكفي أن تقرأ كتاباً أو كتابين لتصبح عالم اجتماع، فإن هذا ينطبق على النقد، الذي يحتاج إلى سنين من القراءة والبحث والدربة والخبرة المتراكمة المستندة على النظم التعليمية الحديثة (أعني التعليم النظامي العام والدراسات العليا).

أما البعد الثالث فيتناول موضوع العلم، الذي هو في سؤالنا هنا «المسرح»، إذ لا بد من النظر إلى المسرح باعتباره فناً ينتمي إلى مؤسسة الأدب، وأن دراسته -بالتالي- تنبثق من مظلة الدراسات الأدبية. ليس سراً أن أقدم الدراسات النقدية التي وصلتنا، تناولت المسرحَ الإغريقي، والإشارة هنا إلى كتاب الشعر لأرسطو، وهو الذي نظّر للمسرح، وحدد شروطه، وأنواعه ووظيفته وغير ذلك. يلزم الباحث الذي يعتزم أن يصبح ناقداً مسرحياً أن يكون -إضافةً إلى شرطيْ الإيمان والتخصص- ملماً إلماماً واسعاً بنظريات المسرح وتاريخه وتياراته وأنواعه وعناصره (نصاً كان أو عرضاً)، وهذا لن يكون إلا بعد مسيرة حافلة بالتجربة المسرحية؛ قراءةً، وحضوراً، ودراسةً، وتجربة. أعتقد أن واحدةً من أهم مشاكل النقد الحديث تتلخص في إغفال «علمية المجال»، وبالتالي استسهال الممارسة النقدية، حتى أصبح «الناقدُ»، لقبَ من لا لقب له.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض