حكمة الرحمن لهداية الإنسان

في الأثر ما يروى عن رسولنا الكريم قوله: «نَحْنُ قَوْمٌ لَا نَأْكُلُ حَتَّى نَجُوعُ، وَإِذَا أَكَلْنَا لَا نَشْبَعُ».. وفي تراثنا الشعبي: «مَن وفَّر غداه لعشاه لن تشمت به عداه».. ليس القصد من الحديث المروي عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، والمثل الشعبي، الحثَّ على إلغاء وجبات طعام أو الابتعاد عنه حتَّى نجوع، بقدر ما هو الحثُّ على ترشيد الإنفاق، وتفادي هدر كمِّيَّات من الطعام غالبًا ما تجد طريقها إلى حاوية النفايات.

الملاحظ أنَّ عديدًا من ربَّات بيوتنا تحضِّر يوميًّا أكثر من مقدار الطعام الكافي، وبكمَّيَّة قد تكفي لضعف عدد أفراد أسرتها إن لم يكن أكثر.. وما يفيض من الطعام بعد تناول أسرتها وجباتها، ينتهي بحاوية نفايات، رغم وجود ثلَّاجات في المنزل لحفظ الطعام لأيَّامٍ!


جرت العادة في مناسباتنا الاجتماعيَّة الدعوة إلى غداء أو عشاء، تقدَّم فيه أنواع متعدِّدة المكوِّنات والمذاق، وبكميَّات تفوق كثيرًا عدد المدعويَّين.. وبعد الانتهاء من تناول الوجبة، تبقى على طاولات الطعام كمِّيَّات كافية لإطعام الكثيرين من المحتاجين.. هنا يأتي دور (بنك الطعام) والجمعيَّات الخيريَّة لتشرف على نقل المتبقِّي إلى مراكزها، ومن ثمَّ تعبئتها في حافظات مراعية اشتراطات الصحَّة والسلامة، ليجري توزيعها على دور الأيتام والأرامل والعجزة.. يتمُ ذلك بأمان وسلامة، إن اتَّبع الضيوف نظام اختيار الطعام من على المائدة بتناول ما يرغب به من الطبق الرئيس بملعقة الغرف، دون أن تلمس الأصابع الطعام المعروض عليها.. غير أنَّ من ما يزال يرفض نظام (البوفيه) في المناسبات، ويفضِّل الالتفاف حول المائدة أو التحلُّق مع عدد من المدعوِّين حول تباسي الطعام، تمشِّيًا مع ما روي عن الصحابي وحشي بن حرب رضي الله عنه: «أنَّ أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قالوا: يا رسول الله، إنَّا نأكل ولا نشبعُ.. قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعـم. قال: فَاجْتَمِعوا على طعامِكُم واذكروا اسمَ الله يبارك لكم فيه». وما يزال هؤلاء يفضِّلون تناول الطعام بالخمس؛ (أي بأصابع اليد)، على أنَّها من السنَّة النبويَّةَ، ولأنَّه عليه الصلاة والسلام، تناول طعامه من صحن خاص به، كما نتناوله اليوم من (البوفيه) المفتوح... والحديث عن (البوفيه) يقود إلى الحديث عن الإسراف فيما يقدَّم من طعام وشراب وحلويات، ويرهق الميزانيَّة، في أيَّام الشهر المبارك «رمضان».. فمع أنَّه شهر صيام وامتناع عن الطعام والشراب من ساعة الفجر إلى ساعة الغروب، إلَّا أنَّ العديد من الصائمين، ما أن يستبدَّ فيهم الجوع، يشتهون أطباقًا معيَّنة على مائدة إفطارهم.. وما أن تحلَّ ساعة الإفطار، حتّى يقبلون على تناول حبَّات من التمر، وفناجين من القهوة وكؤوس من العصير، يتبعونها بالشوربة والسنبوسك فالفول المدمَّس مع التميس، فيقومون بعدها لأداء صلاة المغرب، تاركين أطباق الطبيخ الذي اشتهوه في نهارهم على حالها لم تمسَّها يد. وفي هذا إسراف وهدر للمال وللطعام، يماثله الهدر والإسراف في موائد الرحمن التي ستنصب قريبًا أمام بوَّابات المساجد، وفي الساحات العامَّة، وعليها كمِّيَّات من الطعام والشراب والحلويات والفاكهة.. وفي هذا الإسراف الكثير من استعراض مموليها لقدراتهم الماديَّة.. وليت القائمين على نصب موائد الرحمن يكتفوا بتقليد الإفطار المتَّبع في الحرم النبوي الشريف: كأس من ماء زمزم، وحبَّات من التمر والرطب، تتبعها صلاة المغرب، ومن بعد عودة كل منهم إلى منزله، يشارك أهله تناول وجبة الإفطار الخفيفة، ومؤجَّلين تناول ما في قدور الطبيخ التي اشتهوها في نهارهم إلى ما بعد صلاة التراويح.. عندها يكونون معتدلين في تناول طعامهم، ومتَّبعين قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.

أخبار ذات صلة

جدة.. الطريق المُنتظر.. مكة!!
إسراف العمالة (المنزليَّة)!
اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة
الإنسان النصف!!
;
من طوكيو إلى واشنطن بدون طيار!!
التعليم أهم رسالة.. والمعلم أهم مهنة
كوني قوية فلستِ وحدكِ
شهامة سعودية.. ووفاء يمني
;
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
هل يفي ترامب بوعوده؟
;
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!