مخاطر المسار الأميركي الليبرالي الحالي

أصيب اليسار في أميركا بإحباط شديد عندما انتقلت إدارة البلاد إلى فريق من المحافظين على رأسهم دونالد ترمب، المثير للكثير من الجدل، وانتقل هذا الإحباط إلى باقي اليسار في الغرب (أوربا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا)، وتحول إلى شن هجوم كاسح قوي وتجنيد كل وسائل الإعلام الليبرالية لمهاجمة ترمب وما يدعو إليه، وتصويره عدواً للديموقراطية والنظام الأميركي. وكادت حملتهم عليه أن تؤدي الى انسحاب العاملين في إدارته والى أن يتخلوا عنه، إلا أنه تمكن من الاحتفاظ بطاقم تمكن به من تحقيق بعض الإنجازات الداخلية. وحصل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على أكبر نسبة من أصول الأقليات بين الناخبين يحصل عليها مرشح جمهوري للرئاسة منذ عام 1960، حسب قول فريد زكريا في محطة تلفزيون CNN، الذي ذكر أيضاً أن دونالد ترمب حصل على أصوات أكبر نسبة من الناخبين السود حصل عليها مرشح جمهوري منذ عام 1996، وأن أحد الاستطلاعات أشار إلى أنه حصل على 35%من أصوات الناخبين المسلمين وأن مستويات الكثير من الناخبين تحسنت حياتهم اقتصادياً في عهد ترمب.

لذا تحول اليسار الى شن حملات قوية ضد اليمين وما يمثله، كما أن كراهيتهم لدونالد ترمب تحولت الى حالة حقد شديد تجاهل كل قرارات ترمب، الجيدة والسيئة، وحملات هجومية ضد من كان البيت الأبيض في عهد ترمب على علاقة صداقة معهم أكانوا داخل أميركا أو خارجها. ومازاد من خوف اليسار الأميركي أن ترمب، حسب ما نشرته الصحافة الليبرالية نفسها، كسب ضعف أصوات الناخبين السود عما حصل عليه عام 2016 وأن من صوت له من الرجال ذوي الأصول الأسبانية ارتفع الى 36% عما كان عليه في الانتخابات الرئاسية الماضية، وكذلك الأمر بالنسبة للنساء البيض اللاتي ارتفعت نسبة تصويتهن له إلى 55% عما كانت عليه عام 2016.


عاش الليبراليون الغربيون في وهم أنهم حققوا نصراً شاملاً ونهائياً للنظام الليبرالي العالمي بسقوط الاتحاد السوفيتي، وكتب الأكاديمي الأميركي فرنسيس فوكو ياما كتابه (نهاية التاريخ) عام 1991، يبشر فيه بأن سقوط الاتحاد السوفيتي، والذي كان سقوطاً للأيدولوجية الشيوعية، يؤكد نهاية التاريخ كما هو عليه وبداية تاريخ آخر تكون فيه أيدولوجية الإنسان قد تطورت لتصبح النظام العالمي الديموقراطي الغربي. وتحولت وسائل الإعلام الأميركية والأوربية، خاصة الكبيرة منها، وكذلك الجامعات ومراكز الأبحاث، لتكون أدوات تسعى لبث هذه الفكرة الى مختلف أنحاء العالم بالوسائل الناعمة وبالقوة العسكرية أحياناً. حتى كانت المفاجأة لأولئك الذين كانوا يعيشون داخل فقاعة انتصار الليبرالية بانتخاب الناخبين الأميركيين رئيساً يمثل اتجاها مناوئاً ومناقضاً لليبرالية.

وتعيش أميركا الآن في ظل محاولات إعادة الليبرالية الى موقع خسره أنصارها خلال الأربع سنوات السابقة وبمواجهة رأي عام وناخبين انقسموا بشكل حاد. ونشاهد الليبراليين يسعون الى القضاء على كل فكر لا يقبل بما يملونه على المجتمع مستخدمين في ذلك الأدوات التي تتوفر لهم سياسياً وإعلامياً واقتصادياً. ويعرضون بذلك وحدة الدولة المنقسمة بشكل عام الى أزرق (الحزب الديموقراطي) وأحمر (الحزب الجمهوري) ويذكروننا بأن هذا الكيان أنشىء من أمة مبعثرة من ولايات يحكمها قطّاع الطرق ورعاة البقر ينتشر فيها القهر والتمييز العنصري وهضم الحقوق المدنية، ويمكن لها أن تتجه الى هذا المسار إن واصلوا هجومهم على خصومهم وعلى كل من لا يقبل بطروحاتهم الليبرالية المتطرفة بالشكل الذي يسلكونه هذه الأيام.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض