أن تكون شاهداً على قصّتك.. أن تقبض على «نفسك» في فيلم!!

يؤكد البروفيسور ويليام كوستانزو، الناقد والمنظّر السينمائي أننا بقدر ما نشاهد في الأفلام قصصاً من التاريخ الثقافي لأمةٍ ما، أو لأشخاص ٍمن هنا أو هناك، بقدر ما يمكننا أن نعثر على أجزاء من قصصنا في هذه الأفلام: «من كُنَّا، ومَن نريد أن نكونه، ومَن أصبحنا عليه الآن».

لذلك يرى أن دراسة السينما تعني «الانخراط في بعض أعظم القصص في العالم؛ فالأفلام تُقحِمنا في حيواتٍ مختلفة وتنقلنا إلى أزمنة وأماكنَ أخرى وتجعلنا نستكشف أقاصي أنحاء الطبيعة البشرية». وكما تعبّر القصائد الشعرية عن حيواتنا الماضية والمقبلة، المحتملة والمستحيلة، فإن الأفلام السينمائية تفعل ذلك لكنْ بطريقتها الخاصة، فنجد أنفسنا شخوصاً في قصص غريبة عنا، ونجد طموحاتنا وأحلامنا المؤجلة مبثوثة في تفاصيل هذا الفيلم أو ذاك.


قد يكون فرانك أبقنيل جونيور (Frank Abagnale Jr.) مثالاً جيداً في هذا السياق.. ولمن لا يعرف فرانك، فهو بطل فيلم (Catch Me If You Can- اقبض عليّ إن كنت تستطيع)، الذي أدى بطولته النجم الشهير ليوناردو دي كابريو (Leonardo DiCaprio) متقمصاً دور أبقنيل، أحد أشهر مزوري العالم عبر التاريخ، بينما شاركه البطولة النجمُ العالمي توم هانكس (Tom Hanks) الذي قام بدور ضابط الـ(إف بي آي) كارل هانرتي (Carl Hanratty) المتخصص في قضايا تزوير العملات والشيكات.

يحكي الفيلم قصة المطاردة المثيرة بين الضابط هانرتي والمجرم المزور أبقنيل، الذي لم يكن إلا مجرد مراهق عبقري ضائع حين بدأ في عالم التزوير والانتحال؛ (كان عمره 19 عاماً حين انتحل شخصية كابتن طيار في شركة بان أميركا الجوية، كما زوّر شيكات بملايين الدولارات قبل أن يتم العشرين من عمره).


يسلط الفيلم الضوء على جوانب خفية من حياة الرجليْن (هانرتي وأبقنيل)، قادتهما في النهاية ليصبحا صديقين مقربيْن، بعد أن نجح هانرتي في القبض على أبقنيل في مستودع فرنسي يضم ماكينة ضخمة جداً لتزوير النقود.. يقاتل هانرتي -بعد ذلك- من أجل أن يثبت لرؤسائه أهمية الاستفادة من قدرات أبقنيل في قسمه، ليساهما معاً في القبض على عدد من المجرمين، وحل عدد هائل من قضايا التزوير في الولايات المتحدة.

قضى أبقنيل طفولة متقلبة، وقد كان شديد التعلّق بأبيه، لذلك لم يحتمل رؤيته يسقط في ديونه ويخسر محله وماله وزوجته، ليجد في طريق الإجرام والتزوير وانتحال الشخصيات مهرباً له من حياة الحاجة والفقر.. الفيلم ليس جديداً بطبيعة الحال، فقد ظهر قبل عقدين تقريباً (2002م)، لكن ما قد يخفى على كثير من مشاهدي الفيلم، أن الضابط الفرنسي الذي يقبض على دي كابريو في الفيلم هو فرانك أبقنيل الحقيقي.. أي أن بطل القصة الحقيقي (عجوزاً) يقبض على نسخته الشابة في الفيلم، في مشهد له رمزيته التي لا يمكن تجاوزها.. لقد أظهر الفيلمُ المزوِّرَ أبقنيل في صورة بطل شجاع ومغامر، لكنها بطولة وهمية، أراد المخرج إثبات هشاشتها حين زجّ بالبطل الحقيقي في مشهد القبض على المزوّر... إنه الرجل الحقيقي العاقل، يقبض على ذاته الصغيرة الجامحة (الافتراضية في الفيلم)، ليزج بها في السجن، حيث تنتمي...!!

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض