منتدى

أولادكم سهام حية ليست لكم

أولادكم سهام حية ليست لكم
'أولادكم ليسوا لكم، ‏أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم، ‏أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم'.

تأملت تلك الكلمات العميقة فكراً ووعياً للكاتب القدير جبران خليل جبران وردّدت في نفسي: ليتها تُنقش داخل كل بيت ويعيها الآباء والأمهات بعمق ويُعاد بناءً عليها برمجة العقول وتصحيح الوعي (فأولادكم ليسوا ملكاً خاصاً لكم، ليسوا شيئاً ضمن أشيائكم).


نجد في مجتمعنا البعض من الأباء والأمهات يرسموا أحلام أبنائهم في مخيلتهم كما يشاؤون؛ فيختاروا لهم تخصصاتهم، شركاء حياتهم، وظائفهم، وأحياناً يصل التدخل إلى طريقة لبسهم وحديثهم ويمتد إلى أصدقائهم!

ذلك التسلّط والنرجسية في التعامل مع الأبناء يخلق فجوة عميقة في العلاقات الاجتماعية الأسرية ويُنشئ جيلاً مُدمَراً نفسياً، هشاً داخلياً يعاني جلداً مُستمراً للذات الباحثة عن المثالية الزائفة إرضاءً لأوهام الوالدين، جيل مُتردد يفتقد إلى الثقة والجرأة كمقومات أساسية للنجاح، ومن جانب آخر قد تحدث ردة فعل عكسية فنجد أمامنا جيلاً عصبياً يرفض أي توجيهات وإن كانت تُصَب في مصلحته فقط لإثبات ذاته المسلوبة وروحه المُحطمة في بيئة أسرية شائكة.


فبعض الآباء والأمهات لا يعوا حجم الخطر في ممارساتهم التربوية الخاطئة وتسلّطهم السلبي فيتعاملوا مع أبنائهم (كوسيلة) للوصول إلى أهداف لم يستطيعوا هم تحقيقها، فيحاربوا بكل أسلحتهم ليحققوا حلمهم الضائع من خلال أبنائهم، فيرسموا الخطط المستقبلية ليسير عليها ابنهم أو ابنتهم رغماً عنه دون مراعاة كونه إنسانا حُر في اختياراته وأنَّ له حياته الخاصة التي يملكها وحده ويُشكلها كما يشاء.

يجب أن يستيقظ الأباء والأمهات من وهم التشبث بحياة أبنائهم ويدركوا حقيقة أنَّ مجرد إنجابهم لأبنائهم لا يعطيهم حق تملّكهم والتحكم في حياتهم وتقبيدهم وأحكام السجن حولهم وممارسة الاستعباد الكُلي عليهم، لابد من استيعاب اختلاف عصرهم وثقافتهم وحياتهم، وإدراك اختلاف بيئاتهم ونشأتهم وأفكارهم، ومحاولة إيجاد نوع من التوازن الفكري والثقافي والاجتماعي بين الجيلين للوصول إلى منطقة السكون والتوافق داخل الأسرة.

فالمهمة العظمى للوالدين تكمن في غرس المبادئ والقيم الثابتة في أعماق أبنائهم التي يسيرون عليها بقية حياتهم وتمدهم بالقوة والثبات لمواجهة صعوبات الحياة وتقلباتها، ومحاولة التوجه نحو تقديم النصح والإرشاد بطريقة تربوية سلسة وصحيحة وغير مباشرة فهي الأسرع وصولاً إلى أرواحهم الغضّة المُتلهفة لاكتشاف مكامن الحياة.

لا تتمسّك بأبنائك وتشدهم إلى الوراء ليعيشوا حياتك ويكونوا صورة منك، بل قف خلفهم وادفعهم إلى الأمام بكل قوتك واتركهم يسلكوا طريقهم وحدهم حتى وإن لم يعجبك ذلك الطريق!

واحذر أن تسير فيه أمامهم بل ابق في الخلف، دعهم يخوضوا وعورته وينيروا ظلمته، يتجرّعوا مرارته ويتذوقوا لذته، يسقطوا ويقفوا وهم مطمئنون بأن خلفهم قوة أبوية قاهرة تسند ظهورهم وتحمي أرواحهم.

كُن ركنهم الشديد الذي يؤون إليه في شدتهم.

أخبار ذات صلة

تميز إذاعتي الرياض وجدة
تميز إذاعتي الرياض وجدة
أزيلوا التشوه البصري من مدارسنا
أزيلوا التشوه البصري من مدارسنا
أمريكا تنهض بترامب مجددًا
الحوادث المرورية.. الهاجس الأول
الحوادث المرورية.. الهاجس الأول
;
ماذا بعد انتخاب ترمب؟!
ماذا بعد انتخاب ترمب؟!
المساجد التاريخية
المساجد التاريخية
ما بين صندوق «القمامة» إلى كيد المطلقة!!
ما بين صندوق «القمامة» إلى كيد المطلقة!!
أهميَّة تعلُّم لغة الإشارة
أهميَّة تعلُّم لغة الإشارة
;
السوشيال ميديا والمجموعات التعليمية
شرق أوسط جديد يخلق السلام والتنمية
شرق أوسط جديد يخلق السلام والتنمية
ورحل بهجة المجالس
ورحل بهجة المجالس
دوران الأرض ونتائجه
دوران الأرض ونتائجه
;
صيدلي الصحة العامة
صيدلي الصحة العامة
خطة حصان طروادة في مواجهة البكتيريا
خطة حصان طروادة في مواجهة البكتيريا
هل من قطار للبحر الأحمر؟
هل من قطار للبحر الأحمر؟
ما هي تكلفة الوحدة؟!
ما هي تكلفة الوحدة؟!