كتاب

جوجل: عفريت المعرفة الذي قد يُضلّلك!

· شخصياً.. مازلت أعتبر (جوجل) بكل أذرعته ودهاليزه المثيرة هو أهم وأعظم اختراع معرفي في هذا القرن، ولا يجاريه في عظمته هذه إلا اختراعات ساهمت في نشر المعرفة وتسهيل انتقالها بين البشر مثل المطبعة والصحيفة والمجلة والكتاب.

· ‏عظمة ‫(جوجل) تأتي من سرعته المرعبة وشموليته في البحث، فهذه الصفحة البيضاء البسيطة التي يَرِدها ملايين البشر في كل دقيقة، بها من الخوارزميات ما يمكنّها من لفّ معظم مكتبات العالم وتفتيش كتبه وشوارعه لتروي عطشك المعرفي في ثوانٍ، فتعطيك المعلومة التي تريد قبل أن تقوم من مقامك بل وأحياناً قبل أن يرتد إليك طرفك، الأمر الذي يجعلني أطلق عليه أحياناً اسم (العفريت ‫جوجل)، فما يقوم به هو (عفرتة بالفعل) لا يُقدّر قيمتها إلّا من جرّب عناء البحث المضنى لأيام؛ وأحياناً لأسابيع من التنقل المنهك والمحبط وغير الناجح في أحيان بين رفوف المكتبات بحثاً عن معلومة صغيرة.


· ‏مشكلة (العفريت جوجل) الأكبر أنه أداة (غير ناصحة) بمعنى أنه قد يأتيك بالصالح والطالح في زمان ومكان واحد، بالشيء ونقيضه في جراب واحد، ‏وهذا يتطلب منك أن تكون ملماً وعارفاً بطريقة إحضار العفريت وتصريفه ‫أولاً، ثم بكيفية فلترة هذا الكم الهائل من المعلومات وكيفية تمحيصها وتدقيقها واستخراج الصالح منها وتجنب غير الصالح.. ‏وهذا -بالمناسبة- هو عين ما يجب أن يكون عليه دور المدرسة اليوم، التي من الواجب عليها التوقف عن محاولة اللحاق بالمعلومة، إلى الاجتهاد في تجهيز وإعداد المتلقي (الطالب)، لكي يستقي المعرفة (شديدة وسريعة التغير) بنفسه، وبطريقة سليمة وصحيحة من مصادرها الصحيحة، والقدرة على فرزها ونقدها وتصويبها.

· ‏مشكلة أخرى ظهرت مع ظهور هذا العفريت الإلكتروني الطيب ‫هي إظهاره لجحافل المتعالمين والخنفشاريين (أدعياء المعرفة)، الذين توهموا باقترابهم من المعرفة الكاملة، وببلوغهم قمتها، وهذا ما يُعرف بالجهل المركب، وهو داء مختلف عن (الجهل البسيط) الذي كان سائداً في حقبة ما قبل جوجل حيث يكون الشخص جاهلاً ومدركاً لجهله، أما مع نفحات غرور (‫جوجل) فقد انتفخت أوداج عقول البعض ظناً منهم بأنهم قد استوطنوا بطون أودية المعرفة؛ وامتلكوا ناصية العلم الذي يغنيهم عن العلماء الحقيقيين، غير مدركين أن (العفريت الساكن في جيوبهم) قد يضلهم ضلالاً بعيداً، تماماً كما تفعل معظم الشياطين عندما تزين للإنسان الخطأ وتحثه عليه.


· خلال عقدين من الزمن قلب (عفريت جوجل) الذي تقدر قيمته اليوم بأكثر من تريليون دولار، مفاهيم التشاركية في المعرفة؛ ‏وهدم الطبقية المعرفية، وأدخل للعالم مصطلحاً بحثياً جديداً هو «جوجلها».. لكن هذه الفتوح الضخمة يجب أن لا تمنعنا من الإشارة الى حساسية التعامل مع جوجل وضرورة التعامل معه بدقة وحذر شديدين، فهو كما يمكنه أن يرشدك بمعلوماته وخرائطه وتطبيقاته التي لا تنتهي يمكنه أيضاً أن يُضلك، ويصنع منك كاذباً في أعين الناس.

أخبار ذات صلة

الطرق البطيئة
في العتاب.. حياةٌ
مهارة الإنصات المطلوبة على المستوى الدولي
مقوِّمات.. لاستقرار الشركات العائلية
;
ستيف هوكينغ.. مواقف وآراء
لا تخرج من الصندوق!
(قلبي تولع بالرياض)
سياحة بين الكتب
;
تمويل البلديات.. والأنشطة المحلية
الإدارة بالوضوح!
نحـــــاس
أدوار مجتمعية وتثقيفية رائدة لوزارة الداخلية
;
«صديقي دونالد ترامب»
قِيم الانتماء السعودية
جدة.. الطريق المُنتظر.. مكة!!
إسراف العمالة (المنزليَّة)!