كتاب

الناقد والفيلم والسينمائي: سؤال المعنى ورسالة الفن

بعد نهاية كل فيلم سينمائي جميل، يظل السؤال يدور في عقول المشاهدين عن رسالة الفيلم ومعناه، وعن خطابه الخفي ورسائله المسرّبة خلف ظاهر الكلام.. وهنا يأتي النقد الحديث ليعب دوراً مهماً في سد هذه الهوة، وتوفير منهج يساعد المتلقين على الوصول لإجابات مقنعة.

تظل العلاقة بين الشكل والمعنى (الدال والمدلول) علاقة جدلية، أثارت في النقد الحديث وطيساً لا يزال أثره في الأجواء؛ يحلل النقد الحديث النصوص انطلاقاً من مكوناتها الداخلية، يبحث في بنيتها؛ يفكك عناصر هذه البنية، ثم يعيد بناءها من جديد، ليفهم نظام عملها.


وإن كان النقد وفقاً لذلك يركز على تحليل الفيلم، بوصفه نصاً فنياً، يمكن قراءته، وتفكيك بنيته الداخلية، لإبراز آلية عمله؛ كيف يؤدي وظيفته الجمالية، وكيف يجذب المشاهدين، ويسلب عقولهم، ويجعلهم لساعتين أو أكثر محدقين في الشاشة، مشدوهين بتفاصيله (هذه البنية تتلخص باختصار في القصة، في طريقة العرض، في تصاعد الأحداث وفقاً لأفعال الشخصيات، في التلاعب الزمني، وفي دور الكاميرا وتقنيات الإخراج المتطورة).

لكننا -مع ذلك- يجب ألا ننسى الخطوة الأخيرة المرتبطة بمعنى العمل الفني، بهدفه الأسمى، برسالته التي يبثها، ويسربها معتمداً على هذه الصنعة الجمالية المحكمة.. إن خلف العمل الفني الجميل معنى جميلاً؛ معنى يحتفي بالحياة وقيمها الإنسانية العليا، يحتفي بالإنجاز الذي يتركه الإنسان، والبصمة التي يضعها، معنى جميلاً يحارب البشاعة، والقبح، والكراهية، والظلم، والعنصرية، في أي وقت كانت، وبأي شكل حضرت.


حينما سئل تودوروف لماذا يحب الأدب؟ أجاب: لأنه يساعدني على العيش.. يوسع الأدب كوننا -هكذا شرح- «يفتح إلى ما لا نهاية الإمكانية للتفاعل مع الآخرين، ويغنينا إذن بلا حدود»، «يزودنا بأحاسيس لا تعوض، تجعل العالم الواقعي يصبح محملاً بالمعنى أكثر، كما تجعله أكثر جمالاً.. فالأدب -بعيداً عن أن يكون متعة بسيطة وتسلية للأشخاص المتعلمين- فإنه يسمح لكل واحد أن يجيب بشكل أفضل علن ميله بوصفه كائناً إنسانياً».

وأنا أؤمن أن هذا ما تفعله السينما أيضاً، فهي جزء من الأدب، وتؤدي وظائف مشابهة في تأثيث العالم حولنا بالمعنى، وحين نحلل الأفلام السينمائية تحليلاً منهجياً، يجب ألا ننسى أنها -باعتبارها فناً من الفنون- مثل الأدب، تحمل في طياتها «معنى يسمح بفهم الإنسان، والعالم فهماً أفضل»، كما يقول تودوروف.

من هنا لا يفترض بالناقد أن يقف عند حدود الشكل، والمكونات البنيوية في تحليله، لأنها -وإن كانت الأداة الأنسب حتى الآن- ليست الغاية.. البنية ليست غاية الأدب، لكن اكتشافها وسيلة للوصول إلى غاية الأدب والسينما؛ المعنى.. لكن «المعنى» ليس شيئاً صغيراً، ولا مجرد انعكاس بسيط وسطحي لصورة الخطاب، بل هو جوهر معقد، ومكثف من الإجابات والأسئلة.. وحين نقول «المعنى»، فنحن نشير إلى مجموعة الرسائل التي يكتنفها النص ضمن احتمالاته، وإلى حزمة الأسئلة التي ينتثر عقدها مع كل إجابة نحصل عليها.

ولهذا يتعامل النقد مع الظاهرة السينمائية باعتبارها نصاً يقول الكثير عن صراع الإنسان الوجودي ولعبة البقاء والفناء التي وجد نفسه هائماً في لُجّتها، عن القيم الإنسانية العليا (الحرية، المساواة، العدالة، حرية التعبير) وأهميتها، يقول الكثير عن الأمل، والحب، والأمانة، والإخلاص، الكثير عن طموحات الإنسان وإحباطاته، ويقول الكثير -أيضاً- عن الهيمنة ومحاربتها، عن مشروعات الأدلجة وعن مقاومتها.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض