كتاب

تظاهرة ثقافية متكاملة بمعرض الرياض

وسط أجواء عامرة بالثقافة الممزوجة بالفخامة، تشهد الرياض هذه الأيام فعاليات معرض الكتاب الدولي، الذي يجيء تأكيداً لريادة المملكة في المجال الثقافي، وحرصها على هذه التظاهرة الدولية التي انطلقت قبل 40 عاماً، إثراء لحركة الفكر وتعزيزاً للنتاج المعرفي ورفداً للمؤسسات الأكاديمية والعلمية التي تنتظر هذا الحدث السنوي بكثير من الترقب.

الإقبال الكبير الذي حظي به المعرض في هذه الدورة، وحضور الآلاف من الزوار كان إعلاناً قاطعاً بتأكيد المكانة الكبيرة التي لا زال الكتاب الورقي يتمتع بها في حياتنا، ومثلت رداً بليغاً لمن يرون أن ثورة التقنية ووسائل التواصل قد وضعت حداً لمسيرة الكتب وأعلنت اندثارها.


ما شهدناه من حشود ضخمة جاءت لمتابعة الحدث الكبير بث الطمأنينة في النفوس بأن مسيرة العلم والثقافة في هذه البلاد لا زالت بخير، وأن الأجيال الجديدة من الشباب، والتي كثيراً ما يسارع البعض إلى اتهامها بعدم الإقبال على العلوم والانصراف إلى السفاسف هي أكثر الشرائح حرصا على مسيرة التقدم والنماء.

فقد كان لافتا أن نسبة كبيرة من الحضور في ردهات المعرض هم من فئة الشباب الذين تفاعلوا بصورة رائعة مع الحدث.


لم يكتف الشباب بمجرد المشاركة والاطلاع على إنتاج الآخرين، بل كان ملاحظا أن هناك إنتاجاً شبابياً مقدراً، وأن القسم الذي خصصته الوزارة للمبدعين الشباب سوف يسهم في تشجيعهم على مواصلة العطاء.

كانت التجهيزات بحجم الحدث الكبير، فقد أحسنت وزارة الثقافة صنعا في إخراج حفل الافتتاح بصورة رائعة تتناسب مع قيمة المعرض الذي تشارك فيه هذه الدورة أكثر من 1000 دار نشر محلية وإقليمية وعالمية من 28 دولة حول العالم، مما شكّل أبرز تظاهرة ثقافية يشهدها العالم العربي في مجال الكتاب وقطاع النشر.

ومع أن المحفل يهدف بالأساس إلى عرض ما أنتجته دور النشر المحلية والعالمية، إلا أن ذلك لم يحدث بصورة جامدة تسبب الملل، فالمعرض يشهد خلال أيامه العشرة ندوات وحلقات نقاش وسمنارات وورش عمل متميزة تجعل منه موسما معرفيا وأدبيا متكاملا، وتزداد قيمة وأهمية هذه الفعاليات التي يترقبها الوسط الثقافي بشغف في ظل الظروف التي تمر بها بعض الدول العربية، والتي أثرت كثيراً في مستوى الأدب والفكر.

ولا يخفى على الجميع الأثر الكبير لمثل هذه الفعاليات التي لم تعد تقتصر على مجرد عرض الكتب، بل هي تجربة متكاملة للمبدعين الوطنيين الشباب الذي تتاح أمامهم فرصة الاحتكاك بمشاهير الأدباء والمؤلفين والاطلاع على تجاربهم واستلهامها، وإنشاء علاقات تعود عليهم بما ينفعهم في صقل مواهبهم وتنمية قدراتهم.

إضافة إلى التنسيق بين المبدعين لإنتاج مشاريع مشتركة، على غرار ما شهدناه مرات كثيرة خلال الدورات السابقة، ونفس الأمر ينطبق على المسؤولين عن دار النشر وغير ذلك.

كذلك فإن هناك مكاسب اقتصادية كبيرة تترتب على عقد مثل هذه المناسبات، من أبرزها تسليط الضوء على الإمكانيات السياحية الهائلة التي تمتلكها المملكة، وما قطعته بلادنا من شوط كبير في ذلك.

وعند اطلاع الزوار بأعينهم على ما تتمتع به بلادنا في هذا المجال فإن ذلك يحدث تأثيرا كبيرا يفوق ما يمكن أن يتحقق عبر حملات العلاقات العامة والترويج الإعلاني، لأن المشاهدات الحية تكون بطبيعة الحال أكبر وقعاً وأشد تأثيرا.

من اللفتات الرائعة التي تضمنتها هذه الدورة اختيار العراق كضيفة شرف، وهي خطوة رمزية تؤكد ما لبغداد من مكانة كبيرة على خارطة الثقافة العربية باعتبارها أرض الحضارة والثقافة والتي كانت ذات يوم مركزا للإشعاع الفكري والأدبي أسهم في النهضة العلمية على مستوى العالم كله.

لذلك فإن اختيار أرض الرافدين يؤكد ارتباطها الوثيق بعمقها العربي الأصيل، واستحالة انفكاكها منه، مهما حاول البعض لأسباب طائفية وسياسية ربطها بمحاور غريبة عليها.

إجمالاً يمكن القول إن المملكة نجحت في تقديم نموذج عربي جدير بالاقتداء، عطفا على ما تحقق من نجاح كبير، ومواكبتها أرقى الأساليب العصرية في مجالات معارض الكتب وأدوات النشر والمنتديات والمحاضرات والبرامج الثقافية المصاحبة.

وهي بذلك تجدد مرة أخرى سبقها وريادتها في هذه المحافل الثقافية، بما يظل تجربة ثرة في عقول ووجدان الزوار لن تفارق ذاكرتهم وستبقى محفورة في دواخلهم، لما امتازت به الدورة الحالية من دقة في التنظيم والعرض فاقت كل التوقعات، بعد أن اكتملت عناصر النجاح وتوفرت كل مقوماته.

أخبار ذات صلة

قراءة متأنية لرواية «رحلة الدم» لإبراهيم عيسى (3)
لماذا إسبانيا؟!
الموانئ والجاذبية في الاستثمار
احذروا ديوانيَّة الإفتاء!!
;
قصة عملية مياه بيضاء..!!
منتجات المناسبات الوطنية!
القيادة.. ودورها في تمكين المرأة للتنمية الوطنية
الرُهاب الفكري!
;
(1) رجب.. ووهم فجوة الأجيال
علماء ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية
في ذكرى اليوم الوطني الرابع والتسعين
رسالة نافذة
;
صهــــرجة
النافذة المكسورة!!
التنمية.. والسياحة
مبادرة سعودية رائدة.. تُعزز القطاع غير الربحي