كتاب

معرض الكباب!!

لقد شدتني ليلة البارحة، ظاهرة القراءة التي تفشت بأوساط مجتمعنا، فقد رأيت طالب ثانوي وهو بطريقه للمدرسة حاملاً حقيبته على ظهره ويقرأ لأجاثا كريستي؛ (جريمة في قطار الشرق)، كما رأيت رجل أعمال يرخي مقعده الواسع بدرجة (البزنس) ليكمل بنهم قراءة كتاب جون بيركنز؛ (الاغتيال الاقتصادي للأمم)، ورأيت أيضاً امرأة تستغل وقت انتظارها بالمستشفى لتخرج من شنطة يدها وبعجاله رواية؛ أحلام مستغانمي (الأسود يليق بكِ)! وبينما أنا أتجول مساءً بإحدى الحارات القديمة مررت بمقهى شعبي بناصية الزقاق يعج بالأدباء والمثقفين، كانوا يتناولون بنوع من النقد الأدبي نظريات وأعمال؛ كارل ماركس، أدونيس، عبدالرحمن منيف، يوهان غوته، والطيب صالح!، رأيت ذلك وأكثر، قبل أن استيقظ ضاحكاً من حلمي، على رسائل مواقع التواصل الموغلة حد الإسفاف بالمقاطع التافهة لـ(مشاهير الفلس) والتي انحدرت بطباعنا وثقافتنا للحضيض!!

من خلف تلال هذا الإسفاف الأخلاقي تطل علينا بين الفينة والأخرى شمس تنظيم (معرض الكتاب) الهادفة لإذابة جليد الجهالة وإحياء زهور الثقافة، لكن هذه المحاولات الخجولة غالباً لا يحالفها النجاح، لأنها تحتاج لوسائل ترغيب لكسر الملل قبل إزكاء رائحة الحبر والورق، لهذا تجد معارض الكتاب أقرب لحراج الأواني القديمة منها للتظاهره الأدبية، حيث تجده مزيجًا من ألعاب الأطفال، الكتب، المطاعم، الندوات، وعربات شاي الكرك، وأركان الرسم والألوان، وأكشاك المعمول وورق العنب!!


المزعج أن (مشاهير الغفلة) والفاشينيستا قد غزوا منصات توقيع معارض الكتاب بمؤلفاتهم الفارغة وسحناتهم المستفزة، والعلة هنا بدور النشر التي تخلت تماماً عن دورها الريادي بنشر الثقافة والمعرفة وجرت خلف العوائد المتوقعة لمؤلفات تطبع على طريقة البحوث الجامعية بأسماء مشاهير الفلس ليتحول دورها لمعول هدم ينشر الابتذال والسخافة!!

إن تنظيم معرض الكتاب بهذا الوقت وهذه الكيفية قد يسهم في إثراء الشهرة والبطون، لكنه لن يسهم أبداً في إعادة الحراك الأدبي لصدارة مشهدنا الثقافي، وستظل الأكثرية من الزوار يشترون الكتب لا للقراءة، وإنما للمباهاة بسناباتهم، أو لوضعها ديكورًا بمكتبات صوالينهم! لقد جرت العادة بأن يسبق كل مشروع دراسة جدوى اقتصادية، وواقع الحال يقول بأن إقامة معرض كتاب بزمننا، ليس مجدياً لا للمنظمين ولا لدور النشر، وذلك بسبب تداعيات كورونا وما أنتجته من أضرار اقتصادية، وبطالة، تبدلت معها أولويات الحياة، فضلاً عن سيطرة الجوال والمواقع الإلكترونية وتأثيرها الكبير على الإصدارات الورقية!!


لذا لا تستغرب انصراف الزوار عن دور النشر والاهتمام بالمطاعم المصاحبة، لا تستغرب إن شكلت كتب الطبخ أكثر الأعمال مبيعاً، لا تستغرب إن رأيت أعمدة دخان المشاوي تتصاعد بسماء (معرض الكباب) -عفواً أقصد معرض الكتاب-، لا تستغرب إن رأيت بساحة أو زوايا المعرض أحدهم يتصفح بين يديه؛ خلطة عصير، أو ساندوتش، كوفي لاتيه، أو وجبة سريعة، فهذه للأسف الشديد هي الثقافة السائدة بمجتمعنا!

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!