كتاب
حمزة شحاتة.. موسم الهجرة إلى «الجمال»
تاريخ النشر: 11 نوفمبر 2021 00:35 KSA
يمكن القول إن فكر حمزة شحاتة كان ينتظم ضمن إطار الرومانتيكية العام، ومن هنا كان تعلقه بالجمال، كما كانت فلسلفته الجمالية عموماً متسقة مع هذا المذهب منذ نعومة أظفار أدبه، لذلك رأى أن «الجمال منجم غني بالأعاجيب والذخائر النفسية، ولكن الرغبات لا تصطرع حوله كما تصطرع على منجم فحم».. وكانت مهمته -كأديب- أن يكتشف مكامن الجمال، وأسراره، وأن يبرزه للناس، ليحتفوا به، ويتأقلموا معه، ويصبغوا حياتهم بلمساته، وهو يعلن ذلك في أكثر من موضع، حيث يقول في مقال من مقالاته: «وشأن الأديب في العرف أن يضاعف محاسن الحياة، ويزيد الشعور بمسراتها، لا أن يمسخ صورها الجميلة ويهدمها».
ويقول في موضع آخر: «والناس يتفقون على حسن الجدول والحقل، ويتشابهون في الارتياح إليهما، ويشتركون في تناولهما من ناحية الطلاقة الظاهرة، والجمال المتاح والمتعة الهنيئة، ولكن الشاعر المبتكر والفيلسوف المتعمق والعاشق المشغوف يتناولون في الحقل والجدول، ومن معانيهما الخفية وحقائقهما المتخيلة وعلاقاتهما بهوى النفس والفكر، فرحاً وترحاً وطرباً وانقباضاً، ما لا يستطيع الناس إدراكه أو الشعور به».
إيمان حمزة بدور الأديب نحو الجمال جعله يسعى ملياً ليعرف كنه الجمال وحقيقته، فكان يسأل: «والجمال في ذاته ما هو؟ أهو تجاوب القسمات واتساق الملامح واكتمال الانسجام؟ أم هو معانٍ مكنونة تعبر عنها ظواهره البادية؟». ويظل يسأل حتى يهتدي لحقيقة الجمال: «إن الجمال جمال بما تولد النفوس من معانيه، ونقيس من مشابهه، ونتخيل من دلائله وإشاراته، لا بما يلقاها به من حدود وزخرف، وإنما هو جمال بما يثير فيها من بهجة، ويطلق من أصداء، ويحبو من حرية وخصب».
هكذا إذن، فالجمال في المعنى حسب رؤية حمزة، والصورة فيه ليست إلا طريق الوصول إليه، فهو يؤكد: «أن الصورة للجمال رمز لما وراءه من معانيه وخطراته، وأن الألفاظ إشارات مجملة إلى معانٍ تنزل منزلة اللحم والدم ممن تجول المعاني وراء نفسه»، ولذلك «ما معنى مظاهر الوجود في ذاتها، ما معنى الجدول المترقرق والحقل المهتز والنسمة؟ ما معنى مظاهر الوجود المتألق، والبدر المشرق، والليل الساجي؟ أليست حقيقة معانيها في نفس الإنسان ونظرته وشعوره».
من هنا كانت أهمية الجمال أهمية بالغة، فالجمال «من أغلى غايات السعادة، إن لم يكن أغلى غاياتها» كما يقول شحاتة، فهو ما يجعل للحياة قيمة، وهو ما يجعل النفوس تعلو، والقيم تتجلى:«حيث يســـمـو الجمال بالطهـر
والصدق إلى قمة الوفا والحياء
حيث لا ترتـدي الصـــداقة أثوا
باً بلــوني خداعــهـا والريـــــاء
حيث لا يطعــن الرفيق رفــيقـاً
بيـن دعــوى تقــواه والإغــواء
حيث تجفو النفوس كل الحـقارا
ت لتحــيـا بصـفــحة بيـــضـاء»
إن الجمال الحقيقي هو الذي يسمو بالنفوس نحو الطهر والصدق والوفاء والحياء، فلا يشوه الزيف والرياء الصداقة، ولا يكون الغدر باطن الرفيق الذي يبدي نواياه الحسنة، إن الجمال الحقيقي أن تظل النفوس صفحة بيضاء، وأن تحارب لذلك، وتنبذ جميع الحقارات، وبهذا يكون الجمال الأصيل حقيقة الخير والصلاح وللبشرية.ولأن التغيير سنة الحياة، فكان لا بد أن يتجدد الجمال، ليواكب تغير الحياة، وهو ما أعلنه حمزة كثيراً، ودخل في معركة مع صديقه عريف كي يثبته، يقول في (رفات عقل): «اللذة كالألم، كلاهما وليد الانفعال والتوتر، ولذلك كان كل ما لا يثير انفعالاً وتوتراً مولداً للسأم، حتى الجمال». ويقول في محاضرة (الرجولة): «وإدمان النظر إلى صورة جميلة، يفقدها شيئاً من تأثيرها القوي، كلما تجدد إليها النظر المشغوف، وارتوى الحس المنهوم، حتى تفقد مقدرتها على التأثير والأداء، وإنك لتعجب بالمنظر يفتنك ويلقاك بألف معنى، أول ما تلقاه فما تزال نفسك دائبة في تحليل معانيه وإذابتها، حتى تنتهي بها إلى الإصفاء والإفلاس، وتكون قد حولتها إلى دمك شيئاً منه، فما تلبث أن تنصرف عن هيكلها العاري، وقد تركته مادة جامدة، وأضفت إلى قانون الجمال وفهمه، والإحساس به في نفسك، مادة جديدة، لا يبلغ بها الرضا عندك، إلا أن يضمن لك المنظر الجديد، معنى جديداً، يزيد عما تعرف»، ويكرر الفكرة في رسالة إلى صديقه توفيق: «إنها الألفة يا صديقي، وليست التعرية، ولطول المسايرة عصف، حتى بالجمال وهو مادة البقاء للنفس الشاعرة العاشقة، وكل شيء في الحياة قديم، يمكن أن ينقلب على عينك جديداً، متى سرتَ بحس المتطلع الراغب، لا بحس السائم المنصرف».. ويعبر عن هذه الفكرة كذلك في شعره حين يقول ختاماً:
«كل صفو يُمل ما لم تداخلـ
ـه دواع من الأسى والعنــاءِ».
ويقول في موضع آخر: «والناس يتفقون على حسن الجدول والحقل، ويتشابهون في الارتياح إليهما، ويشتركون في تناولهما من ناحية الطلاقة الظاهرة، والجمال المتاح والمتعة الهنيئة، ولكن الشاعر المبتكر والفيلسوف المتعمق والعاشق المشغوف يتناولون في الحقل والجدول، ومن معانيهما الخفية وحقائقهما المتخيلة وعلاقاتهما بهوى النفس والفكر، فرحاً وترحاً وطرباً وانقباضاً، ما لا يستطيع الناس إدراكه أو الشعور به».
إيمان حمزة بدور الأديب نحو الجمال جعله يسعى ملياً ليعرف كنه الجمال وحقيقته، فكان يسأل: «والجمال في ذاته ما هو؟ أهو تجاوب القسمات واتساق الملامح واكتمال الانسجام؟ أم هو معانٍ مكنونة تعبر عنها ظواهره البادية؟». ويظل يسأل حتى يهتدي لحقيقة الجمال: «إن الجمال جمال بما تولد النفوس من معانيه، ونقيس من مشابهه، ونتخيل من دلائله وإشاراته، لا بما يلقاها به من حدود وزخرف، وإنما هو جمال بما يثير فيها من بهجة، ويطلق من أصداء، ويحبو من حرية وخصب».
هكذا إذن، فالجمال في المعنى حسب رؤية حمزة، والصورة فيه ليست إلا طريق الوصول إليه، فهو يؤكد: «أن الصورة للجمال رمز لما وراءه من معانيه وخطراته، وأن الألفاظ إشارات مجملة إلى معانٍ تنزل منزلة اللحم والدم ممن تجول المعاني وراء نفسه»، ولذلك «ما معنى مظاهر الوجود في ذاتها، ما معنى الجدول المترقرق والحقل المهتز والنسمة؟ ما معنى مظاهر الوجود المتألق، والبدر المشرق، والليل الساجي؟ أليست حقيقة معانيها في نفس الإنسان ونظرته وشعوره».
من هنا كانت أهمية الجمال أهمية بالغة، فالجمال «من أغلى غايات السعادة، إن لم يكن أغلى غاياتها» كما يقول شحاتة، فهو ما يجعل للحياة قيمة، وهو ما يجعل النفوس تعلو، والقيم تتجلى:«حيث يســـمـو الجمال بالطهـر
والصدق إلى قمة الوفا والحياء
حيث لا ترتـدي الصـــداقة أثوا
باً بلــوني خداعــهـا والريـــــاء
حيث لا يطعــن الرفيق رفــيقـاً
بيـن دعــوى تقــواه والإغــواء
حيث تجفو النفوس كل الحـقارا
ت لتحــيـا بصـفــحة بيـــضـاء»
إن الجمال الحقيقي هو الذي يسمو بالنفوس نحو الطهر والصدق والوفاء والحياء، فلا يشوه الزيف والرياء الصداقة، ولا يكون الغدر باطن الرفيق الذي يبدي نواياه الحسنة، إن الجمال الحقيقي أن تظل النفوس صفحة بيضاء، وأن تحارب لذلك، وتنبذ جميع الحقارات، وبهذا يكون الجمال الأصيل حقيقة الخير والصلاح وللبشرية.ولأن التغيير سنة الحياة، فكان لا بد أن يتجدد الجمال، ليواكب تغير الحياة، وهو ما أعلنه حمزة كثيراً، ودخل في معركة مع صديقه عريف كي يثبته، يقول في (رفات عقل): «اللذة كالألم، كلاهما وليد الانفعال والتوتر، ولذلك كان كل ما لا يثير انفعالاً وتوتراً مولداً للسأم، حتى الجمال». ويقول في محاضرة (الرجولة): «وإدمان النظر إلى صورة جميلة، يفقدها شيئاً من تأثيرها القوي، كلما تجدد إليها النظر المشغوف، وارتوى الحس المنهوم، حتى تفقد مقدرتها على التأثير والأداء، وإنك لتعجب بالمنظر يفتنك ويلقاك بألف معنى، أول ما تلقاه فما تزال نفسك دائبة في تحليل معانيه وإذابتها، حتى تنتهي بها إلى الإصفاء والإفلاس، وتكون قد حولتها إلى دمك شيئاً منه، فما تلبث أن تنصرف عن هيكلها العاري، وقد تركته مادة جامدة، وأضفت إلى قانون الجمال وفهمه، والإحساس به في نفسك، مادة جديدة، لا يبلغ بها الرضا عندك، إلا أن يضمن لك المنظر الجديد، معنى جديداً، يزيد عما تعرف»، ويكرر الفكرة في رسالة إلى صديقه توفيق: «إنها الألفة يا صديقي، وليست التعرية، ولطول المسايرة عصف، حتى بالجمال وهو مادة البقاء للنفس الشاعرة العاشقة، وكل شيء في الحياة قديم، يمكن أن ينقلب على عينك جديداً، متى سرتَ بحس المتطلع الراغب، لا بحس السائم المنصرف».. ويعبر عن هذه الفكرة كذلك في شعره حين يقول ختاماً:
«كل صفو يُمل ما لم تداخلـ
ـه دواع من الأسى والعنــاءِ».