كتاب
«عريف العربية» قصة قصيرة.. وحزينة
تاريخ النشر: 15 ديسمبر 2021 20:41 KSA
(عريف العربية).. كان هذا عنوانَ فيلمٍ قصير، كتبتُ نصه..!! قررت الجامعة أن تكرّم الدكتور محمد خضر عريف، على ما قدمه عبر عمر طويل لجامعة المؤسس وللغته العربية.. قررت جامعته أن تكرّمه، كان لا يزال حياً، وكُلفتُ بكتابة سيناريو الفيلم الذي سيعرض يوم التكريم.
فكّرت أن أجهّز له مفاجأة تسعده، وترفع معنوياته -وهو على سرير المرض-، قلت في نفسي: سأجعل العرض يقول له كم نحبه، وكم نقدّر كل ما فعله لنا، نحن طلابه وزملاءه في الجامعة وفي التخصص.
كتبت السيناريو على هذا الأساس؛ فكرتُ في كل التفاصيل، سيكون قصة درامية جميلة، سنفاجئه ببعض القصص الطريفة، والذكريات القديمة الجميلة، سنضع صوراً قديمة تعيده لأيام بيروت، ومكة، وأمريكا، وسنستضيف أعز أصدقائه للحديث، وسيكون لعائلته كلمة.. بل كلمات.. أبناؤه سيشاركون، وزوجته، أم أيمن، ستختتم العرض بكلمات رقيقة، تشكره رفيق رحلة العمر.. على أجمل رحلة.. فكرت في كل التفاصيل.. إلا تفصيلاً واحداً..!!
قبل أن نصل.. وصَل القدر..!!
وغادرنا عُريف..
وما كان مفاجأة أضحى فاجِعة..!!
انتقل شيخي محمد خضر عريف إلى جوار ربه، وما كان احتفاءً، سيصبح تأبيناً؛ ستكرّم الجامعة ذكرى عريف، وسأكتب السيناريو، لا لأفرِح عريف، ولكن لأبكيَه..!! النص هو النص؛ لكن المعنى مختلف.. يا لعجب الأقدار..
أجلس مع مخرج الفيلم، الشاب المبدع عبدالله الهجن، لا يتمالك نفسه حزناً، يقرر أن يفعل كل ما يستطيع لتكريم هذا الرجل الوفي، أناقش المشاركين في العرض، وفي حلق كل منا غصة.. ننجز المرحلة الأولى، أختلف مع المخرج؛ همُّه الصورة والمؤثرات، وهمي النص.. نختلف في التفاصيل، ونتفق على أن مَنْ غادرنا يستحق الجهد والتعب.
يضم السيناريو مشاركة العائلة كما قلت؛ لكنها عائلة مفجوعة.. تنتحب، يا الله؛ قبل أسبوع، أسبوع فقط، كانوا متورطين في المفاجأة، والآن ورطتهم الفجيعة.
لابد من زيارة لهم..
الجامعة ستكرّم العريف الأسبوع المقبل، ولا وقت.
أتصل بابنه إيهاب، يوافق موجوعاً؛ كانت رغبة الفقيد أن يشاركوا، وأن يشارك أيضاً بكلمة؛ قال لهم: في التصوير سألبس ثوباً وغترة، لم يرِد أن يتصور بملابس المرض، فرحوا.. كان قد تحسّن قليلاً، وبدأت ملامح البشرى.. لكنها لم تَطُلْ.
يوافق إيهاب بكرم بالغ، ونحدد موعداً..
أذهب مع المُخرج؛ أدلف إلى البيت، فتهبط الذكريات على القلب، مثل غيمة سوداء
كم اجتمعنا في هذا المنزل العامر حوله، كان منزلاً عامراً بصاحبه، محمد خضر عريف..
واليوم..!! سطوة الموت تُحكِم قبضتها على المكان؛ يستأذن ابنه أثناء التصوير، ونعرف أن الدمع قد غلبه، تغالبُ ابنته حزنَها، وتحاول أن تساعدنا، في التسجيل مع أمها؛ أم أيمن!!
أم أيمن.. حكاية أخرى.. ومن يلوم الثكلى التي فقدت رفيق العمر!! كانت روحاً برزخية، بين الأرض والسماء.. «كان يذكرك كثير يا عادل»، هكذا تقول بصوت غائرٍ في الفقد، «ايش قال لك في آخر تسجيل»، تستدرك: «هو كان يبغى يشارك في الفيلم»، «أنا أشارك معكم لأنه كان يريدني أن أفعل، سأشارك بصوتي فقط».. وتنتحب، ندير رؤوسنا جميعاً، نمسح الدموع.. ونتصبّر، نحاول أن نتماسك، ولا معنى لأي تماسك؛ هناك، فقدت الأشياء معانيها، جبر الله قلوبكم يا آل عريف.
كانت الساعتان اللتان قضيناها في بيت د. عريف صعبة
غريبة، لا أعتقد أن المعجم قد اخترع عبارات لوصفها؛ مأساوية.
كانت بالفعل كذلك.. تمنيت لو لم يكن لي من الأمر شيء...!!
انتهينا من إنجاز الفيلم الصغير؛ إبداع المُخرج فاق توقعاتنا، لكنه يشكرنا باستمرار، لأنه أوتي الفرصة أن يكون جزءاً من قصة محمد خضر عريف؛ عاش عريف حياة حافلة، مليئة بالعطاء؛ قضى طفولته في بيروت، وشبابه في مكة، وجاب بلاد الله، يدافع عن العربية، ويجتهد في خدمتها؛ درّس ونشَر وأشرف، وكان محبوباً، أحبه -حتى- الذين لم يعرفوه، ومنهم عبدالله الهجن.. مُخرج الفيلم الذي لم يقابله ربما.
بالأمس؛ كرّم أميرُ مكة محمد خضر عريف..
وعرضنا الفيلم..
الدعوات على الألسن..
والابتسامات الجليدية على الشفاه..
العيون.. وحدها العيون.. قالت الحقيقة؛ ماءً مالحاً، ملأ المحاجر، وفاض على الخدود!!.
فكّرت أن أجهّز له مفاجأة تسعده، وترفع معنوياته -وهو على سرير المرض-، قلت في نفسي: سأجعل العرض يقول له كم نحبه، وكم نقدّر كل ما فعله لنا، نحن طلابه وزملاءه في الجامعة وفي التخصص.
كتبت السيناريو على هذا الأساس؛ فكرتُ في كل التفاصيل، سيكون قصة درامية جميلة، سنفاجئه ببعض القصص الطريفة، والذكريات القديمة الجميلة، سنضع صوراً قديمة تعيده لأيام بيروت، ومكة، وأمريكا، وسنستضيف أعز أصدقائه للحديث، وسيكون لعائلته كلمة.. بل كلمات.. أبناؤه سيشاركون، وزوجته، أم أيمن، ستختتم العرض بكلمات رقيقة، تشكره رفيق رحلة العمر.. على أجمل رحلة.. فكرت في كل التفاصيل.. إلا تفصيلاً واحداً..!!
قبل أن نصل.. وصَل القدر..!!
وغادرنا عُريف..
وما كان مفاجأة أضحى فاجِعة..!!
انتقل شيخي محمد خضر عريف إلى جوار ربه، وما كان احتفاءً، سيصبح تأبيناً؛ ستكرّم الجامعة ذكرى عريف، وسأكتب السيناريو، لا لأفرِح عريف، ولكن لأبكيَه..!! النص هو النص؛ لكن المعنى مختلف.. يا لعجب الأقدار..
أجلس مع مخرج الفيلم، الشاب المبدع عبدالله الهجن، لا يتمالك نفسه حزناً، يقرر أن يفعل كل ما يستطيع لتكريم هذا الرجل الوفي، أناقش المشاركين في العرض، وفي حلق كل منا غصة.. ننجز المرحلة الأولى، أختلف مع المخرج؛ همُّه الصورة والمؤثرات، وهمي النص.. نختلف في التفاصيل، ونتفق على أن مَنْ غادرنا يستحق الجهد والتعب.
يضم السيناريو مشاركة العائلة كما قلت؛ لكنها عائلة مفجوعة.. تنتحب، يا الله؛ قبل أسبوع، أسبوع فقط، كانوا متورطين في المفاجأة، والآن ورطتهم الفجيعة.
لابد من زيارة لهم..
الجامعة ستكرّم العريف الأسبوع المقبل، ولا وقت.
أتصل بابنه إيهاب، يوافق موجوعاً؛ كانت رغبة الفقيد أن يشاركوا، وأن يشارك أيضاً بكلمة؛ قال لهم: في التصوير سألبس ثوباً وغترة، لم يرِد أن يتصور بملابس المرض، فرحوا.. كان قد تحسّن قليلاً، وبدأت ملامح البشرى.. لكنها لم تَطُلْ.
يوافق إيهاب بكرم بالغ، ونحدد موعداً..
أذهب مع المُخرج؛ أدلف إلى البيت، فتهبط الذكريات على القلب، مثل غيمة سوداء
كم اجتمعنا في هذا المنزل العامر حوله، كان منزلاً عامراً بصاحبه، محمد خضر عريف..
واليوم..!! سطوة الموت تُحكِم قبضتها على المكان؛ يستأذن ابنه أثناء التصوير، ونعرف أن الدمع قد غلبه، تغالبُ ابنته حزنَها، وتحاول أن تساعدنا، في التسجيل مع أمها؛ أم أيمن!!
أم أيمن.. حكاية أخرى.. ومن يلوم الثكلى التي فقدت رفيق العمر!! كانت روحاً برزخية، بين الأرض والسماء.. «كان يذكرك كثير يا عادل»، هكذا تقول بصوت غائرٍ في الفقد، «ايش قال لك في آخر تسجيل»، تستدرك: «هو كان يبغى يشارك في الفيلم»، «أنا أشارك معكم لأنه كان يريدني أن أفعل، سأشارك بصوتي فقط».. وتنتحب، ندير رؤوسنا جميعاً، نمسح الدموع.. ونتصبّر، نحاول أن نتماسك، ولا معنى لأي تماسك؛ هناك، فقدت الأشياء معانيها، جبر الله قلوبكم يا آل عريف.
كانت الساعتان اللتان قضيناها في بيت د. عريف صعبة
غريبة، لا أعتقد أن المعجم قد اخترع عبارات لوصفها؛ مأساوية.
كانت بالفعل كذلك.. تمنيت لو لم يكن لي من الأمر شيء...!!
انتهينا من إنجاز الفيلم الصغير؛ إبداع المُخرج فاق توقعاتنا، لكنه يشكرنا باستمرار، لأنه أوتي الفرصة أن يكون جزءاً من قصة محمد خضر عريف؛ عاش عريف حياة حافلة، مليئة بالعطاء؛ قضى طفولته في بيروت، وشبابه في مكة، وجاب بلاد الله، يدافع عن العربية، ويجتهد في خدمتها؛ درّس ونشَر وأشرف، وكان محبوباً، أحبه -حتى- الذين لم يعرفوه، ومنهم عبدالله الهجن.. مُخرج الفيلم الذي لم يقابله ربما.
بالأمس؛ كرّم أميرُ مكة محمد خضر عريف..
وعرضنا الفيلم..
الدعوات على الألسن..
والابتسامات الجليدية على الشفاه..
العيون.. وحدها العيون.. قالت الحقيقة؛ ماءً مالحاً، ملأ المحاجر، وفاض على الخدود!!.