كتاب

القصة والإنتاج السينمائي.. العلاقة بين الأدب والشاشة

يمكن القول إن العلاقة بين الأدب والشاشة كانت ملتبسة منذ بداية لقائهما؛ إذ لم تكن دائماً علاقة صفاء واتفاق، بل مرت بمراحل وتضاريس مختلفة، ولعل هذا يعود للمرجعية التاريخية لكل منهما.. فالأدب مكوّن مهم من مكونات «الثقافة»، في معناها الخاص، الذي كان يعني أفضل ما أنتجه الإنسان؛ «أفضل ما عُرفِ وقيل»، بينما تنتمي الشاشة لعالم الآلة، وهذا لا بد أن يقود إلى التوتر الذي طبع لقاء الثقافة العليا بالآلة، وعَبّر عنه بوضوح نقاش النقاد في القرن التاسع عشر.

ويختصر هذا النقاش رأيُ الشاعر والناقد البريطاني ماثيو آرنولد، الذي انتهى إلى أن الثقافة (أي الآداب والفنون)، هي وسيلة الإنسان في مواجهة تقدّم الآلة، بل توحشها، وغزوها الغاشم لاحتلال مكان الإنسان ومكانته في الأرض.. الثقافة مصدر للجمال والمتعة، ودليل على عظمة عقل الإنسان وعلى مركزيته في الكون، وهي -أي الثقافة- من ستحفظ له هذا الدور مهما تضخم دور الآلة في الحياة والتاريخ.. بهذا المعنى استخدمت «الثقافة» -في ربيع الحركة الرومانتيكية- للتمييز بين تطور الإنساني مقابل التطور الآلي، كما يخلص ريموند ويليامز.


هذا لا يعني بطبيعة الحال، أن القطيعة كانت تحكم العلاقة بين الأدب وشاشة التلفاز، لكن الخطاب الذي كان يظهر فيه الأدب -غالباً- على الشاشة، هو الخطاب الرصين النخبوي، فكان حضور الشعراء والنقاد والمفكرين عموماً في إطار البرامج «الترفيهية» قليلاً ونادراً، في مقابل بروزهم في البرامج التربوية والنقاشات الفكرية الجادة.. ومع بوادر ما بعد الحداثة، ودخول الفضائيات وتطور تكنولوجيا الاتصال، تغير هذا الوضع كثيراً، إذ لم يعد الأدب حكراً على النخبة، ولم تعد النخبوية حكراً على المؤسسات التقليدية.. ورغم ذلك فيمكن القول إن «فن القصة» سبق هذا العصر، ليكون عاملاً من عوامل التوفيق بين الأدب والشاشة، من قبل أن يعلن عصر ما بعد الحداثة عن حضوره بعقود.

كانت الحكاية جسراً من جسور التواصل الأدبي بين الكتاب والشاشة، حيث كانت الدراما والقصص بأشكالها وأنواعها المختلفة مادة رئيسة لتغذية محتوى الشاشة منذ دخولها لحيز الوجود التقني، تقول سلوى بوراس «تُعتبر الروايات المفلمة صورة حية عن التعالق الموجود بين الكتابة الأدبية والإنتاج السمعي البصري، وقد تجدرت نتيجة إحساس بضرورة إخراج بعض النصوص من الأوساط المثقفة إلى أوساط المشاهد حتى وإن كانت أغلبيتها مثقفة».


ولأن الإنسان -عموماً- مجبول على حب القصص، فلم يكن غريباً أن تصبح الحكاية مع الصورة قوامَ ثقافة جديدة، تتغلغل في الوجود الشعبي وتؤثر فيه، وتعكس صوته وطموحاته.. المهم -في هذا السياق- أن الحكاية دخلت من الباب الأشهر والأوسع هنا، ذلك هو باب الترفيه والتسلية، الذي استُثمرت فيه القصة بكل الطرق الممكنة.. وأصبحت الأفلام السينمائية (الصامتة ثم المتحدثة ثم الملونة)، والمسلسلات، والمسرحيات، والمقاطع الكوميدية، والبرامج القصصية المتنوعة ركيزة من الركائز التي تقوم عليها ثقافة الشاشة.

منذ نهاية القرن التاسع بدأت المخترعات السينمائية في الظهور شيئاً فشيئاً، ومن تلك البواكير برز أن «السينما هي المعادلة الإشكالية الكبرى بين الفن والصناعة»، كما يقول بول روثا، حيث ظهرت السينما لتكون فناً صناعياً شعبياً (قوامه الصناعة وينتشر بين الجماهير العريضة) ويهيمن بالتالي على ثقافة القرن العشرين.. ويرى المؤرخون أن السينما مزيج من عناصر أدبية سابقة كالمسرحية الهزلية، والميلودراما الشعبية بالإضافة إلى المحاضرة التوضيحية.. كل هذه الفنون صهرت في وعاء واحد أخرج المنتجَ السينمائي.. وفي هذا يقول المخرج والناقد السينمائي فيصل الزعبي «على الرغم من أن السينما عبارة عن فنون ستة تفاعلت -كيميائيًا- في أتونها، وأنتجت فنًا سابعًا لا يشبهه أي من هذه الفنون، فإن الأدب كان حليفًا حميمًا لها، الأدب بكل أنواعه: الرواية والشعر والنص المسرحي والقصة القصيرة».

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض