كتاب

الغذامي وترجمة المصطلحات: المنهجية والملاحظات

في بحث بعنوان (المصطلح النقدي عند عبدالله الغذامي)، يلخص الناقد الجزائري حمادي صمود منهج الترجمة الذي يعتمده ناقدنا الغذامي في عدة صيغ رئيسة: أولى تلك الصيغ تكمن في «عرض المصطلح أركيولوجيا، باستعراض جذوره الأولى، سواء أكانت غربية أم عربية، بالاستناد إلى نصوص واضحة ودقيقة، تعبر عن المراد، اتكاءً على المصدر الأصل»، ورغم أن الغذامي يعتمد دوماً على ترجمته ويستأثر بها، فإنه يقوم كثيراً بتتبع مراحل تكوين المفهوم، «وهذه الصيغة تعتبر في منظور بعض الباحثين، من أهم الصّيغ التي يمكن التركيز عليها في البحث العلمي الأدبي العربي المعاصر.. لأن كثيراً من المصطلحات قد اكتسبت حمولتها الفكرية والمفهومية عبر تشكّلها في الزمان والمكان والثقافة المغايرة لبعدنا التاريخي والحضاري.. وإنّ من شأن استعراض المصطلح في جانبه التكويني، أن يوقف الباحث العربي على تضاريس المصطلح ويجعله يدرك استيعابه في حقله الأبستيمي، ثم التعرف على الإمكانيات التي يتيحها مساره التكويني ليشتغل بصورة طبيعية وإيجابية في خطابنا النقدي العربي».

ويشير صمود أيضاً إلى أن الغذامي يحدد ما يتكون منه المصطلح من عناصر، وما يتفرع عنه من أجزاء، «بغية الإمساك بمكوناته الداخلية التي تنظمه وتُكوِّنه».. ولا ينسى الغذامي أن يعرض للمصطلح الغربي والعربي معاً، كما فعل مع الشاعرية Poetique، والنصوصية Textualité.


لكن الغذامي رغم ذلك لا يسلم من الملاحظات التي تطال جوانب مختلفة من تعامله مع المفاهيم والنظريات الغربية، ولعل ترجمته الشهيرة لمفهوم (deconstruction) مثال واضح على هذه الظاهرة؛ حيث اختار لها مصطلحه الشهير (التشريحية)، المتفرع من التشريح، ومن الفعل شرّح.. والتشريح عربياً هو المرادف لمصطلح (anatomy) الإنجليزي، الذي يشير عادة إلى العلم الطبي الشهير.. وكذلك تفعل المعاجم العربية، التي تضعه تحت المادة (ش ر ح)، ويعرف ابن منظور التشريح بـ»قطع اللحم من العظم».. لكنه يضيف بأن شرح تعني الكشف أيضاً، كأن يقال: «شرحت الغامض إذا فسرته».. يلتقط الغذامي هذه الإشارة، في ترجمته لـ(deconstruction)، رغم معرفته السابقة بأن نقاداً آخرين ترجموا المفهوم إلى مقابلات أكثر دقة مثل (التفكيك، التقويض، الانزلاق).

سبق للغذامي أن اطلع على هذه الترجمات، حيث يشير أنه كان متردداً في اختياره، لأن الكلمة تحتمل -في رأيه- معنى النقض، والفك، والتحليل.. لكنه يرفضها كلها لأن لها أبعاداً، أو (إشارات) سلبية، قد تضر المعنى.. لذلك يفضل (تشريحية) و(تشريح النص)، لأنها -كاستراتيجية قراءة- تعني تفكيك النص لغرض إعادة تركيبه.. وهو ما يفتح المساحة للقراءة المبدعة لتتفاعل مع النص.


ويمكن الوقوف عند عدة نقاط هنا:

- أتساءل عن مدى علمية، أو موضوعيةِ، أن يقحم المترجم مشاعره في قراراته للترجمة.

- وما مدى حريتنا في ترجمة، ونقل مفاهيم من لغات أخرى، دون معرفة راسخة وكافية بقوانين الترجمة كعلم مستقل؟

- كما أن الغذامي يتجنب (ترجمات) يظن أنها أقرب لترجمة المفهوم، لكنه يرفضها لأنها قد تشير إلى، أو تتضمن دلالات سلبية.. والسؤال هنا: ماذا لو كانت الدلالة السلبية أصيلة ضمن دلالة المفهوم الأصلي (في لغته الأصلية SL).؟! وأي حرية -لا تتعارض مع الأمانة العلمية- تجعلنا نتجاهل هذه الدلالة في هذا السياق؟! من هنا يسائل ناقد مثل سعد البازعي الموقف الأخلاقي والآيديولوجي خلف قرار الغذامي، الذي يتدخل ويتورط في النص.. كما يرى البازعي أن تعريف الغذامي لـ(deconstruction): بـ»تفكيك النص لغرض إعادة تركيبه» يبدو غير صحيح، على الأقل لدى جاك دريدا، واضع المصطلح..

والغذامي يعترف بأنه لا يعتمد مفهوم دريدا، لأنه مبني على تدمير منطق العمل المقروء، بكشف تناقضاته الداخلية، وهو ما لا يخدم أهدافه.. هذا يعني أن (التشريحية) هي نظرية للغذامي، لا علاقة لها بـ(deconstruction) الخاصة بدريدا.. لكن الغذامي يعتمد مفهوم دريدا، ويستخدمه على الغلاف الخارجي لكتابه، ويعيد استخدامه في عدة مواضع داخل الكتاب! كل هذا قاد الباحث علي صدّيقي ليستنتج أن الغذامي أراد أن يترجم مفهوم دريدا لـ(deconstruction)، لكنه انتهى بمفهوم جديد مختلف تماماً.. من هنا يتساءل صدّيقي إن كان صحيحاً أن نعتمد على ترجمة الغذامي.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض