كتاب
الفوضويون يستولون على السودان
تاريخ النشر: 21 فبراير 2022 21:38 KSA
دخل السودان قائمة الدول العربية التي استولى عليها الفوضويون، ولا يبدو أن هناك حلاً قريباً للفوضى السائدة فيها، بل هناك استعدادات من أطرافٍ مختلفة لوضع فوضوي طويل. وقائمة الدول العربية التي تقع تحت تسلُّط الفوضويين ليست بالقصيرة، ابتداءً من الصومال والعراق، وامتداداً إلى سوريا ولبنان، واليمن وتونس وليبيا، وانتهاءً - حتى الآن - بالسودان. وكانت نذر انهيار الدولة السودانية عديدة منذ وقتٍ طويل، بما في ذلك انفصال جنوب السودان عام 2011، والذي لم يدفع القائمين على الحكم في الخرطوم – آنذاك - للسعي نحو إصلاح الوضع هناك، وكسب التأييد الشعبي نحو إصلاح وضع الدولة وكسب التأييد لها. وتعرَّض جنوب السودان، كما أنه لازال يتعرض، لمؤامرات وحروب داخلية، إلى جانب الفساد المستشري. وفي عام 1972 أعلن الجنوبيون، بعد حرب أهلية ضد النظام القائم، قيام كيان منفصل لهم. استمر حوالى عشر سنوات، ثم قامت حرب أهلية مجدداً تواصلت منذ عام 1983 حتى 2005 حين أعطاها الخرطوم كياناً استقلالياً أدى عام 2011 إلى إعلانها دولة مستقلة بالكامل. ولم يكن جنوب السودان المشكلة الوحيدة للخرطوم، بل إن آفة الفساد على مستويات متعددة من السلطة وتجاهل مطالب الأقاليم السودانية المختلفة ورفض القيام بالإصلاح وتسلط حركة الإخوان المسلمين التي تسللت إلى أجزاء عديدة من جهاز الدولة، أدى إلى تذمُّر واسع بين أوساط المواطنين من كل الطبقات. وعندما جاءت الثورة وأُسقِطَ النظام القائم؛ خرجت الملايين فرحة بسقوط النظام الفاسد.
إعادة بناء الدولة أكثر صعوبة من هدمها أو تفكيكها، ويتطلب قيادات تولي الإصلاح أهمية أكبر من المصالح الفردية، وهذا أمر لا يتحقق بسهولة. وعندما يسقط النظام تسود الفوضى، ويتولى الفوضويون (مذهب فلسفي) دفع الأمور باتجاهات متعددة. فهم، أي الفوضويون، لا يثقون بأي سلطة، ويعتبرون أن الدولة غير مرغوب فيها، ويقومون بزراعة الشكوك والفتن، وهناك مَن يعتبر الفوضى وسيلة للتحرر من الجمود أو الأزمات، وهي فكرة راديكالية متطرفة عن الحرية (بشرتنا «كونداليزا رايس» بها، عندما كانت وزيرة خارجية أمريكا، ووصفتها بالفوضى الخلاقة).
والمشكلة القائمة في السودان اليوم، ليست بريئة من الفوضى، فحتى الآن عجز السودانيون عن الاتفاق على حكومة تتولى السلطة، فكان أن واصل الجيش حكم البلاد عبر مجلس عسكري أُنشئ بعد سقوط نظام البشير، وواصل الشارع السوداني مظاهراته، ورفع شعارات المطالبة برحيل العسكريين عن الحكم؛ بدون تقديم أي بدائل عملية لإدارة الفوضى عندما يرحل العسكريون، ويعودون إلى بيوتهم، (حصل هذا الأمر في العراق حين احتله الأمريكيون، وفككوا كل أجهزة الدولة بما فيها الشرطة والجيش)، وبالرغم من وضع خارطة طريق في بداية الثورة السودانية تضمَّنت صيغة شراكة بين المدنيين والعسكريين، للفترة الانتقالية؛ تقود إلى انتخابات تُؤسِّس للتجربة الديمقراطية التي يسعى لها المواطنون السودانيون، إلا أن قوى الحرية والتغيير، وهي المُكوِّن المدني في الشراكة بين المدنيين والعسكريين، اختلفت فيما بينها، وغابت المرونة والحكمة، وسادت المشاحنات والمكايدات، وزرعت الشكوك من الكل تجاه الكل، بحيث لم يتمكن أي وسيط من تضييق شقة الخلاف، سواءً كان بين قوى الحرية والتغيير والعسكريين، أو داخل قوى الحرية والتغيير نفسها، وأصبحت الشائعات الكاذبة والحقيقية، سيدة الموقف السوداني.
الممارسة، أي ممارسة، أو العيش في الفوضى الحالية، ستؤدي إلى خلق قيادات ونُخب سودانية تتولى دفع الأمور نحو تفاهم يُؤيِّده قطاع مُؤثِّر من النخب في السودان حول المستقبل السياسي للبلاد. وعسى أن لا تطول فترة الفوضى الحالية، مع فهم أن هناك مؤامرات ومكايدات من داخل السودان وخارجه؛ تسعى وسوف تسعى لدفع الأمور باتجاه مصالح خاصة، إلا أن الأمل أن النخب السودانية، التي تنشأ عن توافق سوداني، ستسعى لوأد المؤامرات، والوصول إلى حلول وسطية للقضايا السودانية.
إعادة بناء الدولة أكثر صعوبة من هدمها أو تفكيكها، ويتطلب قيادات تولي الإصلاح أهمية أكبر من المصالح الفردية، وهذا أمر لا يتحقق بسهولة. وعندما يسقط النظام تسود الفوضى، ويتولى الفوضويون (مذهب فلسفي) دفع الأمور باتجاهات متعددة. فهم، أي الفوضويون، لا يثقون بأي سلطة، ويعتبرون أن الدولة غير مرغوب فيها، ويقومون بزراعة الشكوك والفتن، وهناك مَن يعتبر الفوضى وسيلة للتحرر من الجمود أو الأزمات، وهي فكرة راديكالية متطرفة عن الحرية (بشرتنا «كونداليزا رايس» بها، عندما كانت وزيرة خارجية أمريكا، ووصفتها بالفوضى الخلاقة).
والمشكلة القائمة في السودان اليوم، ليست بريئة من الفوضى، فحتى الآن عجز السودانيون عن الاتفاق على حكومة تتولى السلطة، فكان أن واصل الجيش حكم البلاد عبر مجلس عسكري أُنشئ بعد سقوط نظام البشير، وواصل الشارع السوداني مظاهراته، ورفع شعارات المطالبة برحيل العسكريين عن الحكم؛ بدون تقديم أي بدائل عملية لإدارة الفوضى عندما يرحل العسكريون، ويعودون إلى بيوتهم، (حصل هذا الأمر في العراق حين احتله الأمريكيون، وفككوا كل أجهزة الدولة بما فيها الشرطة والجيش)، وبالرغم من وضع خارطة طريق في بداية الثورة السودانية تضمَّنت صيغة شراكة بين المدنيين والعسكريين، للفترة الانتقالية؛ تقود إلى انتخابات تُؤسِّس للتجربة الديمقراطية التي يسعى لها المواطنون السودانيون، إلا أن قوى الحرية والتغيير، وهي المُكوِّن المدني في الشراكة بين المدنيين والعسكريين، اختلفت فيما بينها، وغابت المرونة والحكمة، وسادت المشاحنات والمكايدات، وزرعت الشكوك من الكل تجاه الكل، بحيث لم يتمكن أي وسيط من تضييق شقة الخلاف، سواءً كان بين قوى الحرية والتغيير والعسكريين، أو داخل قوى الحرية والتغيير نفسها، وأصبحت الشائعات الكاذبة والحقيقية، سيدة الموقف السوداني.
الممارسة، أي ممارسة، أو العيش في الفوضى الحالية، ستؤدي إلى خلق قيادات ونُخب سودانية تتولى دفع الأمور نحو تفاهم يُؤيِّده قطاع مُؤثِّر من النخب في السودان حول المستقبل السياسي للبلاد. وعسى أن لا تطول فترة الفوضى الحالية، مع فهم أن هناك مؤامرات ومكايدات من داخل السودان وخارجه؛ تسعى وسوف تسعى لدفع الأمور باتجاه مصالح خاصة، إلا أن الأمل أن النخب السودانية، التي تنشأ عن توافق سوداني، ستسعى لوأد المؤامرات، والوصول إلى حلول وسطية للقضايا السودانية.