كتاب
الإبداع لا يرتهن للجماهير
تاريخ النشر: 05 أبريل 2022 23:03 KSA
الإبداع في أبسط تعريفاته هو الإتيان بشيء جديد غير مألوف، والبعض يشترط شرطًا آخر، وهو أن يكون هذا الإبداع مفيدًا لا يحمل الضرر للبشرية. الإبداع يُعدُّ من نوادر تجليَّات العبقرية الإنسانية، ويأتي هذا الإبداع مغايرًا للمألوف لدى الناس، ويصعب تكراره أو الإتيان بمثيله إلا في حالاتٍ نادرة.
الإبداع لا يتوقف على نوعٍ معيَّن أو لدى شريحة معيَّنة أو فئة مخصوصة؛ فهناك الإبداع العلمي والإبداع الأدبي والإبداع الصناعي والإبداع المهني وغيرها، كما أن الإبداع لا يتوقف على جنس الذكور وحدهم دون الإناث، ولا يرتبط بالمستوى العلمي ولا بالعمر ولا بالمكانة ولا بالجاه ولا بالثروة ولا بالأوطان ولا باللون.
الأمر الذي ينبغي التنبّه له في مسألة الإبداع هو أن للإبداع ركنين أصيلين هما: (الموهبة والرعاية)، فالموهبة أمرٌ فطري يهبه الله لفئةٍ من الناس، بحيث يُميِّزها عن غيرها، أما الرعاية فهي الجزء المكمِّل للموهبة؛ فكم من موهبةٍ انتهت في مهدها، لأن صاحبها لم يتعهدها بالرعاية والصقل، ولو أنها لاقت منه أو من المعنيين بها اهتمامًا؛ لبرزت وأصبحت ذات نفع وجدوى في المجتمع.
المشكلة في مسألة الإبداع هو حينما نعمد لرهنه للذائقة الجماهيرية، وليس لمعايير ومحكَّات علمية حتى يتميَّز الإبداع الحقيقي من الإبداع المزيف، ذلك أن الذائقة الجماهيرية ذائقة واسعة فضفاضة؛ تندرج تحتها الأهواء والرغبات، وتسلك مسلك التحيُّزات، وتتأثر بالنزعات الذاتية والعرقية والقبلية والجهوية بل والمذهبية، وهذه الأمور ليست من المحكَّات في شيء، بل هي هدم للإبداع ووأد له وتحيُّز فاضح للنزعات الذاتية.
لو أخذنا على سبيل المثال الإبداع الأدبي وهو الذي يعني بالنتاج الأدبي، سواء في الشعر أو القصة أو الرواية وغيرها، نجد أن معايير الحكم عليه تتنوع وتختلف من مكانٍ لمكان، ومن جهةٍ لجهة، ومن مؤسسةٍ لمؤسسة، بل نجد أنه يتم إخضاعه لمعايير ومحكَّات ذات منزع وذائقة غير عربيين، لكن في العادة تكون هناك معايير شبه متفق عليها، تكون مرجعًا في الحُكم على الإبداع الأدبي، وتكون أقرب للرضا والموثوقية.
في مسألة الحُكم على الإبداع الشعري تأتي المعايير والمحكات شبه المتفق عليها، لتكون هي الفيصل في الأمر، ولذا حينما تُقام مسابقة شعرية ويشترك فيها الشعراء؛ فإن تلك المسابقة يتم إخضاعها لتلك المعايير والمحكات، وبالتالي تجد الرضا والقبول لدى الشعراء المتسابقين، ويخرج الشاعر وهو راضٍ عما أقرَّت لجنة التحكيم بحقه وحق المتنافسين معه.
الذي حصل في الآونة الأخيرة مع سهولة التواصل أنه تم إدخال محك جديد في مسألة الحُكم على جودة إبداع الشاعر، هذا المحك يتمثل في (تصويت الجماهير) التي تشاهد المسابقة، ومعلوم أن الجماهير ليست كلها على درجة من الذوق والدراية بالشعر وعوالمه، ثم إن بعضها لا يشاهد المسابقة تلهّفًا للشعر؛ وإنما من باب الفضول، وبعضها يأتي من باب الفزعة لأحد المتسابقين الذي تربطه به علاقة قرابة أو صداقة، ولذلك فإن حكم هذه الجماهير (مهما تدنَّت النسبة المخصصة له) لا يُمثِّل حُكمًا صادقًا، وقد يُسيء للمسابقة ويصرف عنها المتسابقين، وقد حصل (في بعض المسابقات الشعرية المشهورة) أن بعض الشعراء لم يُحقِّق المركز الجدير به، والذي يستحقه كون (تصويت الجماهير) ذهب لمنافسه الذي حشد أكبر عدد من الجماهير التي صوتت له، فذهبت الجائزة له. ثم إن بعض المتسابقين تأبى نفسه أن يحشد الأصوات وتتنزَّه عن ذلك، فما ذنبه حين يخسر جائزة المسابقة وهو الأحق بها؟، مأمول من المؤسسات الثقافية ولجان المسابقات أن تُنحي (صوت الجماهير) من قاموسها؛ كونها تعلم أنه غير موثوق فيه ولا يأتي موضوعيًّا مهما تدنَّت نسبته، وعليها إن هي أرادت وثوق المتلقي في مسابقاتها ألا تحتكم له، بل للمعايير والمحكات الصحيحة والموثوقة.
* ألتقيكم في العاشر من شهر شوال المقبل بإذن الله، وكل عام وأنتم بخير.
الإبداع لا يتوقف على نوعٍ معيَّن أو لدى شريحة معيَّنة أو فئة مخصوصة؛ فهناك الإبداع العلمي والإبداع الأدبي والإبداع الصناعي والإبداع المهني وغيرها، كما أن الإبداع لا يتوقف على جنس الذكور وحدهم دون الإناث، ولا يرتبط بالمستوى العلمي ولا بالعمر ولا بالمكانة ولا بالجاه ولا بالثروة ولا بالأوطان ولا باللون.
الأمر الذي ينبغي التنبّه له في مسألة الإبداع هو أن للإبداع ركنين أصيلين هما: (الموهبة والرعاية)، فالموهبة أمرٌ فطري يهبه الله لفئةٍ من الناس، بحيث يُميِّزها عن غيرها، أما الرعاية فهي الجزء المكمِّل للموهبة؛ فكم من موهبةٍ انتهت في مهدها، لأن صاحبها لم يتعهدها بالرعاية والصقل، ولو أنها لاقت منه أو من المعنيين بها اهتمامًا؛ لبرزت وأصبحت ذات نفع وجدوى في المجتمع.
المشكلة في مسألة الإبداع هو حينما نعمد لرهنه للذائقة الجماهيرية، وليس لمعايير ومحكَّات علمية حتى يتميَّز الإبداع الحقيقي من الإبداع المزيف، ذلك أن الذائقة الجماهيرية ذائقة واسعة فضفاضة؛ تندرج تحتها الأهواء والرغبات، وتسلك مسلك التحيُّزات، وتتأثر بالنزعات الذاتية والعرقية والقبلية والجهوية بل والمذهبية، وهذه الأمور ليست من المحكَّات في شيء، بل هي هدم للإبداع ووأد له وتحيُّز فاضح للنزعات الذاتية.
لو أخذنا على سبيل المثال الإبداع الأدبي وهو الذي يعني بالنتاج الأدبي، سواء في الشعر أو القصة أو الرواية وغيرها، نجد أن معايير الحكم عليه تتنوع وتختلف من مكانٍ لمكان، ومن جهةٍ لجهة، ومن مؤسسةٍ لمؤسسة، بل نجد أنه يتم إخضاعه لمعايير ومحكَّات ذات منزع وذائقة غير عربيين، لكن في العادة تكون هناك معايير شبه متفق عليها، تكون مرجعًا في الحُكم على الإبداع الأدبي، وتكون أقرب للرضا والموثوقية.
في مسألة الحُكم على الإبداع الشعري تأتي المعايير والمحكات شبه المتفق عليها، لتكون هي الفيصل في الأمر، ولذا حينما تُقام مسابقة شعرية ويشترك فيها الشعراء؛ فإن تلك المسابقة يتم إخضاعها لتلك المعايير والمحكات، وبالتالي تجد الرضا والقبول لدى الشعراء المتسابقين، ويخرج الشاعر وهو راضٍ عما أقرَّت لجنة التحكيم بحقه وحق المتنافسين معه.
الذي حصل في الآونة الأخيرة مع سهولة التواصل أنه تم إدخال محك جديد في مسألة الحُكم على جودة إبداع الشاعر، هذا المحك يتمثل في (تصويت الجماهير) التي تشاهد المسابقة، ومعلوم أن الجماهير ليست كلها على درجة من الذوق والدراية بالشعر وعوالمه، ثم إن بعضها لا يشاهد المسابقة تلهّفًا للشعر؛ وإنما من باب الفضول، وبعضها يأتي من باب الفزعة لأحد المتسابقين الذي تربطه به علاقة قرابة أو صداقة، ولذلك فإن حكم هذه الجماهير (مهما تدنَّت النسبة المخصصة له) لا يُمثِّل حُكمًا صادقًا، وقد يُسيء للمسابقة ويصرف عنها المتسابقين، وقد حصل (في بعض المسابقات الشعرية المشهورة) أن بعض الشعراء لم يُحقِّق المركز الجدير به، والذي يستحقه كون (تصويت الجماهير) ذهب لمنافسه الذي حشد أكبر عدد من الجماهير التي صوتت له، فذهبت الجائزة له. ثم إن بعض المتسابقين تأبى نفسه أن يحشد الأصوات وتتنزَّه عن ذلك، فما ذنبه حين يخسر جائزة المسابقة وهو الأحق بها؟، مأمول من المؤسسات الثقافية ولجان المسابقات أن تُنحي (صوت الجماهير) من قاموسها؛ كونها تعلم أنه غير موثوق فيه ولا يأتي موضوعيًّا مهما تدنَّت نسبته، وعليها إن هي أرادت وثوق المتلقي في مسابقاتها ألا تحتكم له، بل للمعايير والمحكات الصحيحة والموثوقة.
* ألتقيكم في العاشر من شهر شوال المقبل بإذن الله، وكل عام وأنتم بخير.