كتاب
الأستاذ الحقيقي!!
تاريخ النشر: 22 مايو 2022 22:26 KSA
الأستاذُ الحقيقيُّ هو أكثرُ من (مدرس) يقتصر دوره على (تلقين) الطالب معلومةً معينةً ليعيد إخراجها مرةً اخرى يوم الامتحان.
لستُ أستخفُّ بدور هذا (التلقين)، فلا غنى عنه في البناء المعرفيّ. ولكنني أقول: إن الأستاذ الحقيقيّ لا يقف عند هذه المرحلة، بل يعطيها حقها، ويتجاوزها إلى آفاقٍ كثيرةٍ دقيقةٍ وجليلةٍ تُسهم في صناعة الطالب/ الإنسان، الطالبِ/المواطن، الطالبِ/أيقونةِ المستقبل.
أتذكرُ في حياتي العلمية والتعليمية مواقف كثيرةً متنوعة ترسّخ وتعزز هذه الحقيقة.
حين كنتُ في المرحلة الابتدائية كان يدرّسني مادة الإملاء والخطّ فضيلة الشيخ السيد المشاط، كان هذا الأستاذ الجليل يعلمنا دون أن يتكلم كيف يكون المسلمُ نظيفاً حسن المظهر بهيَّ المحيّا، كان أنموذجاً عجيباً في القيافة وحسن الهندام دون تكلف، هل تصدقونَ أن (نوتة) الملاحظات التي كان يكتبُها لنا بخطه كانت تفوح برائحة الورد لمجرد أنه وضع راحته عليها!! وهل تصدقون أنّ هذه الرائحة بقيت ملازمةً للـ(نوتة) إلى نهاية المرحلة المتوسطة!!
هذا وجهٌ من الوجوه التي يتجاوز بها الأستاذ مجرد التلقين ليغرسَ في تلميذِهِ قيمةً تفيده في حياته كلها.
هناك وجهٌ آخرُ أهمّ.. وذلك حين يتحول الأستاذ إلى (رمزٍ معرفيّ) في مجاله، فيغرسُ حينئذٍ في تلميذِهِ تلقائياً معاني التحدي والتفوق والطموح والنبوغ، بعض الأساتذة يبلغون في هذا مبلغاً عجيباً يصبحون به (قوةً) لجامعاتهم، وكم من جامعةٍ لم يقصدها الطلاب إلا لأنّ فيها البروفيسور فلان!
كان البروفيسور lendly يدرس في جامعة ويلز في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وقد اشتهرت الكلية الجامعية في ويلز بسبب هذا الرجل، وكان الطلاب يتدفقون على الجامعة ليحظوا بشرف دراسة (النظريات الإحصائية الافتراضية على يديه)، وقد شكل هؤلاء الطلاب (رابطة) تجمع تلاميذه من شتى أنحاء العالم! وكنتُ شخصياً ممن تشرفت بالدراسةِ على أحدِ تلاميذِهِ وهو العالم الكبير الأستاذ الدكتور جلال الصيّاد متّع الله به.
وجه ثالثٌ يصبحُ فيه الأستاذ صانعاً للشخصية القوية المعتمدةِ على ذاتها، لما كنت أدرس في ويلز ذهبت يوماً لأخذ أطفالي من المدرسة، وجدت ابني على بابها يصارع ليلبس المعطف بينما هو ممسك بحقيبته، أسرعتُ لمساعدته، فنهرتني المعلّمة، وقالت: دعه يعتمدُ على نفسه.
وحين يكون الأستاذ بهذا القدر من اقتحام آفاق التأثير في تلميذِهِ فإنَّ العملية التعليمية تتحول إلى (متعة) و(أنس) و(شعور بالتحدِّي والإنجاز) ويصبحُ الارتباط بالمؤسسة التعليمية ارتباطاً عضوياً، أذكر اجتماعي مع وفدٌ أمريكيّ لاعتماد كلية التربية وقت تشرفي بإدارة أم القرى، وقد سألتُ أحد أعضاءِ الفريق: هل هناك معيارٌ محدد تقيسون به مستوى التعليم؟ فقال لي: هذا لا يقاس بالميزان! لكن إنْ كان لك طفلٌ، وجاءك يبكي صباحاً لأنّه فاتته المدرسة فاعلم أنه يتلقى تعليماً جيداً. باختصار .. كنْ أستاذا حقيقياً لا يكتفي (بتلقين) الطالب، بل يتجاوزُ ذلك إلى (تكوين) الطالب.
لستُ أستخفُّ بدور هذا (التلقين)، فلا غنى عنه في البناء المعرفيّ. ولكنني أقول: إن الأستاذ الحقيقيّ لا يقف عند هذه المرحلة، بل يعطيها حقها، ويتجاوزها إلى آفاقٍ كثيرةٍ دقيقةٍ وجليلةٍ تُسهم في صناعة الطالب/ الإنسان، الطالبِ/المواطن، الطالبِ/أيقونةِ المستقبل.
أتذكرُ في حياتي العلمية والتعليمية مواقف كثيرةً متنوعة ترسّخ وتعزز هذه الحقيقة.
حين كنتُ في المرحلة الابتدائية كان يدرّسني مادة الإملاء والخطّ فضيلة الشيخ السيد المشاط، كان هذا الأستاذ الجليل يعلمنا دون أن يتكلم كيف يكون المسلمُ نظيفاً حسن المظهر بهيَّ المحيّا، كان أنموذجاً عجيباً في القيافة وحسن الهندام دون تكلف، هل تصدقونَ أن (نوتة) الملاحظات التي كان يكتبُها لنا بخطه كانت تفوح برائحة الورد لمجرد أنه وضع راحته عليها!! وهل تصدقون أنّ هذه الرائحة بقيت ملازمةً للـ(نوتة) إلى نهاية المرحلة المتوسطة!!
هذا وجهٌ من الوجوه التي يتجاوز بها الأستاذ مجرد التلقين ليغرسَ في تلميذِهِ قيمةً تفيده في حياته كلها.
هناك وجهٌ آخرُ أهمّ.. وذلك حين يتحول الأستاذ إلى (رمزٍ معرفيّ) في مجاله، فيغرسُ حينئذٍ في تلميذِهِ تلقائياً معاني التحدي والتفوق والطموح والنبوغ، بعض الأساتذة يبلغون في هذا مبلغاً عجيباً يصبحون به (قوةً) لجامعاتهم، وكم من جامعةٍ لم يقصدها الطلاب إلا لأنّ فيها البروفيسور فلان!
كان البروفيسور lendly يدرس في جامعة ويلز في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وقد اشتهرت الكلية الجامعية في ويلز بسبب هذا الرجل، وكان الطلاب يتدفقون على الجامعة ليحظوا بشرف دراسة (النظريات الإحصائية الافتراضية على يديه)، وقد شكل هؤلاء الطلاب (رابطة) تجمع تلاميذه من شتى أنحاء العالم! وكنتُ شخصياً ممن تشرفت بالدراسةِ على أحدِ تلاميذِهِ وهو العالم الكبير الأستاذ الدكتور جلال الصيّاد متّع الله به.
وجه ثالثٌ يصبحُ فيه الأستاذ صانعاً للشخصية القوية المعتمدةِ على ذاتها، لما كنت أدرس في ويلز ذهبت يوماً لأخذ أطفالي من المدرسة، وجدت ابني على بابها يصارع ليلبس المعطف بينما هو ممسك بحقيبته، أسرعتُ لمساعدته، فنهرتني المعلّمة، وقالت: دعه يعتمدُ على نفسه.
وحين يكون الأستاذ بهذا القدر من اقتحام آفاق التأثير في تلميذِهِ فإنَّ العملية التعليمية تتحول إلى (متعة) و(أنس) و(شعور بالتحدِّي والإنجاز) ويصبحُ الارتباط بالمؤسسة التعليمية ارتباطاً عضوياً، أذكر اجتماعي مع وفدٌ أمريكيّ لاعتماد كلية التربية وقت تشرفي بإدارة أم القرى، وقد سألتُ أحد أعضاءِ الفريق: هل هناك معيارٌ محدد تقيسون به مستوى التعليم؟ فقال لي: هذا لا يقاس بالميزان! لكن إنْ كان لك طفلٌ، وجاءك يبكي صباحاً لأنّه فاتته المدرسة فاعلم أنه يتلقى تعليماً جيداً. باختصار .. كنْ أستاذا حقيقياً لا يكتفي (بتلقين) الطالب، بل يتجاوزُ ذلك إلى (تكوين) الطالب.