كتاب

المدرسة.. وبناء الشخصية

(المدرسة)، ليست مجرد مكانٍ لتلقّي المعلوماتِ.. إنها (بيئةٌ) متكاملةٌ لتكوين شخصيةِ الإنسانِ، وبناءِ جوانب إبداعِهِ وعطائِهِ ونبوغه.. وأكثرُ من هذا، هي بوابةٌ لرسمِ مستقبلِهِ، وطريقه القادم في الحياةِ.

ولقد كانت المدارسُ قديماً - رغم ضعف إمكاناتها - شديدة العناية بهذا المفهوم، ولذلك كانت تعطي الأنشطة اللاصفية، والبرامج المساندة، قدراً عالياً من الاهتمام.


وكانت كذلك تتعاهد (المهارات) بمثل ما تتعاهد (المعلومات)، ولذلك لم يكن غريباً وقتها أن يرسب طالبٌ في الابتدائية، لأنّ (خطه رديء)! ولا كان عجيباً أنْ يعيد السنة، لأنه لا يحسن الإملاءَ، رغم درجاته العالية في الاختبارات!.

لي شخصياً تجربة لا تُنسَى مع (الابتدائية الناصرية)، التي كانت في حيّ المسفلة.


في هذه المدرسة كانت الأنشطة اللاصفية تخلقُ بيئة حافزةً جاذبةً رائعةً لنا معاشر الطلابِ، لم يكن النشاط اللاصفي بمثابة (عدوّ) للدراسة والتفوقِ فيها، بل كان المساعدَ الأكبرَ عليها، بل كان رموز الأنشطة هم رموز التفوُّق العلميّ من الطلاب.في كل عامٍ كانت المدرسة تَعقد حفل تخرج لطلاب الصف السادس الابتدائيّ، كان حفلاً كبيراً مهيباً، يحضره كبار المسؤولين وأولياء أمور الطلاب، ويستعدُّ له الطلابُ من وقتٍ مبكر.

ومازلت أذكر أنني في حفل تخرج دفعتي، شاركتُ في أداء مسرحية عنوانها: (العلم يرفع بيتاً لا عماد له)، كانت المسرحية تتحدث عن طالبيْنِ: أحدهما متوسط الحال، يعمل بعد الفجر في مقهى صغير يمتلكه أبوه، ثم يذهب للمدرسة، ولكنه كان مجدًّا ومجتهداً، والآخر ابنٌ لثريّ من الأثرياء، ولكنه كان جاهلاً كسولاً مفرطاً. دارتِ الأيام وصار الطالب الفقير المجدُّ المهتم بالعلم؛ موظفاً كبيراً في الدولةِ، وأصبح الابن الثريّ المدلل موظفاً صغيراً تحتَ إدارة الأول!!.

مثلتُ يومها دورَ الطالبِ الفقيرِ.. ومن عجيب القدرِ أن والدي بعد تلك السنة بقليل افتتح مقهى صغيراً، وكنتُ أعملُ فيه بعد الفجر إلى وقت المدرسة، ثم أنصرف إلى المدرسة، ثم اجتهدتُ ما وسعني في دراستي، حتى كتبَ الله لي أن أكونَ في موضعِ مسؤولية كبرى!.

وأياً ما كان تفسير الذي جرى، فإنّ مثل تلك الأنشطة تغرس في اللاوعي رسائلَ إيجابيَّةً تفعل فعلها في مستقبل الطلابِ.

ليس هذا فحسب!

كان أساتذتنا في آخر العام يعطوننا كتبا لنقرأها في إجازة الصيف، ثم نقدّم ملخصاتٍ عنها. كانت جمعيات النشاط، وفعالياتُه بحقّ تصقلنا وتعلّمنا وتربِّينا، ولم نكن نخرجُ من المدرسة إلا قريب المغرب!.

ورغم أن المدرسة كانت فوقَ سوق!، وكان فناؤها سطحَ المبنى!، وكانت صغيرة الحجم.. إلا أنها كانت كبيرة بتعليمها ورجالاتها وفعالياتها وأنشطتها.

إنّها التربية المتكاملة أيها السادة.. تصنع ما لا يصنعه ألف مبنى حديث.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض