كتاب

من مسرح الجريمة

نقلة حضارية اتخذتها النيابة العامة المصرية، حين حذرت الناس من تداول مقطع ذبح طالبة المنصورة نيرة أشرف لبشاعة الجريمة، وأذنت بالمقابل لوسائل الإعلام نشر وقائع التحقيق طبقاً للمحاضر الرسمية، وذلك منعاً للشائعات المغرضة، ولا أخفيكم كم كنت منبهراً ومشدوداً للغاية وأنا أتابع البرامج التلفزيونية والصحف اليومية التي واكبت هذه الواقعة البشعة، لأقف كغيري على حقيقة ما جرى من واقع محضر اعتراف المتهم (عديم الإنسانية)، بداية بكيفية تعرفه على الضحية، وكيف حصل على السكينة المسنونة، وكيف خطط لتصفيتها، ومدى معرفته بمناطق القتل بالجسد، وطبيعة مشاعره حين نحرها وأجهز عليها! إننا اليوم أمام التطور التقني المهول لمواقع التواصل الاجتماعي التي تعد المصدر الأول للأخبار الشائعة، بأمس الحاجة لتفعيل الشق الآخر من الأنظمة المرعية التي تمنع نشر وقائع التحقيق والمحاكمة، إلا بإذن من الجهة المختصة، ذلك أن الإذن بنشر نص محاضر التحقيق الرسمية، سيميط اللثام عن النوايا السيئة ويفضح الشائعات المغرضة ويهدىء الشارع ويوعي الرأي العام.

وحتى نكون منصفين فإننا لا ننكر أهمية سرية المعلومات المتوفرة عن الجريمة للاستفادة منها بمباغتة المتهم بها أو تعقب المتورطين معه، لكن هذا يكون بمرحلة التحري والاستدلال، عند تحليل ودراسة البلاغ، عند الوقوف بمسرح الجريمة، عند تبادل المعلومات مع السلطات المختصة، عند الاستعانة بأهل الخبرة، أما بعد مواجهة المتهم بالشهود والقرائن والأدلة المتوفرة وتسجيل اعترافاته وإحالته للمحكمة، فالأصلح قطع دابر التأويل والتأليب والإذن بالنشر من واقع المحاضر الرسمية.


من غير المنطق أن يتداول المغردون ليلة الواقعة الفيديو المصور للفعل الفاضح أو الحادثة البشعة التي ارتكبت بمكان عام، كما يتم تداول أسماءهم وهوياتهم وجنسياتهم، والدوافع المتوقعة من وراء الواقعة، ثم تأتي وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة اليوم التالي بمانشتات عائمة وأخبار مقتضبة وتفاصيل مبهمه لا تخرج عن تصريح المتحدث الرسمي للجهة المختصة!!

حين كنت مديراً للشؤون القانونية بإحدى الوسائل الإعلامية مدة 15سنة، كانت أكثر عقبة تواجهنا عند الدفاع عنها هي المادة 9 لنظام المطبوعات والنشر، كانت أشبه ما تكون بحقل ألغام، فحين نقفز بها من لغم «عدم المساس بكرامة الأشخاص وحرياتهم»، نجد أنفسنا أمام لغم «عدم الالتزام بالنقد الموضوعي البناء الهادف للمصلحة العامة والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة» وحين نقدم الأدلة والتسجيلات الصوتية ونتجاوز اللغم بحذر، نجد أقلامنا قد وطأت لغم «ألا تفشي وقائع التحقيقات أو المحاكمات إلا بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة»!!


باختصار لم يعد هناك مع التطور التقني المهول لمواقع التواصل الاجتماعي مجال لوضع شريط وهمي يمنع المشاهير والمغردين من الوصول لمسرح الجريمة، ثم بثها بطريقة ضبابية قد تغالط الحقيقة، لهذا يفضل تقنين نشر تفاصيل الجرائم الجنائية والمالية والإلكترونية عبر وسائل الإعلام من خلال الإذن بنشر نص محاضر التحقيق مع المتهمين، فضلاً عن السماح لوسائل الإعلام بتصوير تمثيل الجريمة ووقائع المحاكمة، وهو ما سيعيد للإعلام ألقه وبريقه، لنلتقيكم غداً بحقائق جديدة عن الجريمة الأخيرة يكشفها محام المتهم قد تغير وجهة نظر الرأي العام، وذلك عبر برنامج (من مسرح الجريمة)!!.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!