كتاب

وثيقة المؤسس في مؤتمر جدة

كان الملك المؤسِّس عبدالعزيز آل سعود -طيَّب الله ثراه - في لقائه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في الرابع عشر من الشهر عام 1945 على متن الطراد (يو أس أس كوينسي CA-71)، وكان عائدًا من مؤتمر يالطا، حيث التقى هناك عددًا من قادة العالم لمناقشة مستقبل أوروبَّا ما بعد الحرب العالميَّة الثانية.. وقرَّر في طريق عودته لقاء أهم زعماء الشرق الأوسط وأفريقيا؛ فاروق ملك مصر، وهيلا سيلاسي إمبراطور إثيوبيا، وعبدالعزيز آل سعود ملك السعوديَّة.

تج عن القمَّة السعوديَّة الأمريكيَّة الأولى مذكَّرة تفاهم باللغتين الإنجليزيَّة والعربيَّة، ووقَّع النصَّ العربي الملك عبدالعزيز في الرابع عشر من شهر فبراير 1945.. ووقِّع الرئيس روزفلت النصَّ الإنجليزي في اليوم التالي، ونشره (مكتب التأريخ الأمريكي)، الجهة المخوَّلة المسؤولة عن نشر الوثائق الرسميَّة للسياسة الخارجيَّة الأمريكيٍّة.. وقد تضمَّنت المذكَّرة ثلاثة محاور، جاءت على النحو التالي: - طلب الرئيس من جلالته نصيحته بشأن مشكلة اللاجئين اليهود الذين طردوا من ديارهم في أوروبَّا وجاء ردُّ جلالته بوجوب عودة اليهود للعيش في الأراضي التي طردوا منها.. أمَّا اليهود الذين دمِّرت منازلهم بالكامل، ومن ليس لديهم فرصة لكسب العيش في أوطانهم، يجب منحهم مكانًا للعيش في دول المحور التي اضطهدتهم.. وأشار الملك إلى أنًّ بولندا قد تكون الأمثل لذلك.. فالألمان كانوا قد قتلوا ثلاثة ملايين من اليهود البولنديِّين، وبالتالي هي المكان الأنسب لإعادة توطين العديد من اليهود المشرّدين.


- عرض جلالته قضيِّة العرب وحقوقهم المشروعة في أراضيهم.. وذكَّر أنّ العرب واليهود لا يمكنهم التعاون، لا في فلسطين، ولا في أي بلد آخر.. ونوَّه جلالته بالتهديد المتزايد لوجود العرب، والأزمة التي نجمت عن استمرار الهجرة اليهوديَّة وشراء اليهود الأراضي.. وذكر أنَّ العرب يفضِّلون الموت على تسليم أراضيهم لليهود.. وأضاف بأنّ أمل العرب يرتكز على كلمة شرف الحلفاء، وحبِّ للولايات المتَّحدة للعدالة، ومتوقِّعين دعم الولايات المتَّحدة لهم.. ردَّ الرئيس روزفلت مؤكِّدًا لجلالته عدم فعل ما قد يساعد اليهود ضدَّ العرب.. وهو لن يتَّخذ ما من شأنه معاداة الشعب العربي.. وأضاف، لكن باستحالة منع الخطب والقرارات في الكونغرس، أو الصحافة التي يمكن أن تصدر في أي موضوع.. كما اقترح الملك إرسال بعثة عربيِّة إلى أمريكا وإنجلترا لشرح قضيَّة العرب وفلسطين.. ووافق الرئيس لاعتقاده أنِّ كثيرًا من الناس في أمريكا وإنجلترا مضلَّلون.. ردَّ جلالته موافقًا على ضرورة إعلام الناس، لكن الأهم بالنسبة إليه ما يتعلَّق بسياسته الخاصة تجاه الشعب العربي.

- ذكر جلالته بأنَّ مشكلة سوريا ولبنان كانت مصدر قلق كبير بالنسبة إليه، وسأل الرئيس عن موقف حكومة الولايات المتَّحدة في حالة استمرار فرنسا في الضغط على المطالب المتعذِّرة على سوريا ولبنان! ردَّ الرئيس بأنَّ الحكومة الفرنسيَّة أعطته ضمانة كتابيَّة رسميَّة لاستقلال سوريا ولبنان.. ويمكنه في أي وقت الكتابة للحكومة الفرنسيَّة من أجل احترام كلمتها.. في حالة رفض الفرنسيِّين استقلال سوريا ولبنان، فستقدِّم حكومة الولايات المتَّحدة لكلا البلدين الدعم الممكن وعدم استخدام القوًّة.


هذا هو اللقاء الذي رسم الملك المؤسِّس والجنرال آيزنهاور (خريطة التحالفات في الشرق الأوسط).. ووضع أسس العلاقات التاريخيَّة بين البلدين التي ترسّخت على مدى عقود.. وفات الرئيس بايدن أنَّ أنجال الملك المؤسِس الملوك وخدَّام الحرمين الشريفين، وسموّ الأمير محمّد بن سلمان، يسيرون على نهج الملك المؤسِّس في رسم العلاقات الدوليِّة بما يحقِّق للبلاد والعباد المزيد من الخير والرفاهية.. وقد نالوا من الخبرة والمعرفة بأمور السياسة والمال والاقتصاد ما أهَّلهم لمشاركة مميَّزة في (مجموعة العشرين)، وخير مثال على نجاح المملكة في توحيد وجهات نظر دول المشرق العربي، نجاح (مؤتمر جدَّة للتنمية والأمن) الأسبوع الماضي.. وكانت جلسته الافتتاحية قد بدأت بتلاوة الآية القرآنيَّة الكريمة: (يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقاٰكُمْ إِنَّ ٱللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).. إنَّها رسالة واضحة للرئيس الأمريكي علَّه يفهم القصد من تلاوتها، ويعمل بمقتضاها، وهو على أبواب انتخابات نصفيَّة للكونغرس التي قد تطيح بالحزب الديمقراطي الحاكم إذا استمرَّ قادته في غطرستهم، وتجاهلوا ما بين الشعبين السعودي والأمريكي من صلات تاريخيَّة وثقافيَّة واقتصاديَّة، كان الملك المؤسس قد وثَقها وما تزال موضع احترام الطرفين.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح