كتاب

في اثنينية الخوجة.. كانت لنا أيام

عرفت «اثنينية» العم الشيخ عبدالمقصود خوجة -رحمه الله- في سن مبكرة منذ ما يفوق العقدين، حين اصطحبني والدي لها وكأنه يمشي بي خطوات قد مشاها إلى صالون العقاد في شبابه بصحبة رفيقيه في القاهرة زهير وأسامة السباعي، وسط سخط خفي دار بداخلي من هذه الملابس الرسمية التي تقيد حريتي، وتساؤل عن أهمية تواجدي وسط هذه الكوكبة من أتراب والدي وهذه الكلمات المنمقة، حيث يصمت الجميع ويتحدث الكبار.

أذكر جيداً أننا كنا نحضر مبكراً وندخل إلى التجمع الداخلي في ديوانٍ جانبي للسلام على «أبو محمد سعيد» وهو طقس من طقوس الاثنينية يحظى به المقربون من الشيخ لتبادل الأحاديث والتعارف لحين وصول الضيف.


تبدأ الأمسية في بهو خارجي صيفاً وشتاء، ويلتف الحضور الجالس على طاولات دائرية حول المنصة التي تمتد يمنة ويسرة في خط مستقيم حول الشيخ وضيفه ومقدم الحفل، ويجلس إلى المنصة مثقفون وأكاديميون يقرأ كل منهم كلمته.. ثم تحين فقرة تكريم الضيف بإهدائه لوحة الاثنينية السوداء الباذخة ذات الإطار الذهبي وقد نقش عليها اسم الضيف والتاريخ.

لقد كان كل شيء مرتباً ومنظماً منذ عرفت الاثنينية، فهناك موظفون لبقون لتوجيه الضيوف وآخرون للأمور الإعلامية كالإعداد، والإخراج، والتصوير، ثم الطعام الذي كان يعد لكافة الحضور حيث كانت الدعوة مفتوحة.


وبعد رحيل والدي رحمه الله، انتقلت دعوة الاثنينية -التي صرت استمتع بحضورها- إلى شخصي وتطورت إلى عصر الرسائل والبريد الإلكتروني الموجه لقائمة معينة، وأذكر مثالاً على تلك الدعوة (للتذكير والتوثيق): «يسعد «الاثنينية»

تقديم........

متطلعين إلى حضوركم ومشاركة جميع ألوان الطيف الثقافي، والفكري، والعلمي، لأهمية هذه الأمسية، وللاستفادة من تجربتها، ومن ثمَّ توثيقها ضمن فعاليات (الاثنينية).

وذلك في الثامنة و النصف مساء يوم الاثنين».

لقد تشرفت بالحضور لكثير من الضيوف منهم أ. سمير عطالله، الشيخ محمد عبده يماني، د. واسيني الأعرج، ود. مصطفى محمود، ولا أنسى كلماته وألقه ليلتها.

ومن المواقف الطريفة التي أذكرها، حضور القنصل الأمريكي للاثنينية في فترة ما بعد أحداث سبتمبر التي واكبتها موجة إعلامية شرسة تجاه المملكة من معظم وسائل الإعلام الأمريكية حينها، حين دخلت القنصل الأمريكي بصحبة وفد مصغر وسط ذهول الحضور فكان من الشيخ أن قال باللغة العربية (حسب ما أذكر): «المعذرة منكم أنتم عارفين أن الدعوة عامة».

إن السطور لا تتسع لذكر كل جوانب الاثنينية وبصماتها التي تجاوزت مجرد صالون أدبي إلى منصة ثقافية تعددت وسائلها من طباعة وإعادة طباعة أعمال الأعلام وتكريم المثقفين والمسؤولين السابقين أو من بقي من أبناءهم، إلى توثيق هذه المحاضرات الثرية صورة وكتابة ورقية كمجلدات الاثنينية التي انتقلت في الوقت المناسب إلى صفحة افتراضية في الشبكة العنكبوتية.

غادرنا الشيخ الخوجة وترك خلفه نتاجاً أدبياً ثقافياً وأرشيفاً يستحق الشكر والدعاء لرجل كريم سخر أمواله للكلمة والتقدير لمن يستحق.

أخبار ذات صلة

قطار الرياض.. إنجاز يقودنا إلى المستقبل
كورنيش جدِّة والمستهترون
«الستر» قيمة حياتية وصفة ربانية
ورم عبر القارات!!
;
قصَّتي مع جبل فوجي..!!
ميزانيَّة الخير: نجاحات رغم التحدِّيات
حملة «وعد» هي السَّند
الطرق البطيئة
;
في العتاب.. حياةٌ
مهارة الإنصات المطلوبة على المستوى الدولي
مقوِّمات.. لاستقرار الشركات العائلية
ستيف هوكينغ.. مواقف وآراء
;
لا تخرج من الصندوق!
(قلبي تولع بالرياض)
سياحة بين الكتب
تمويل البلديات.. والأنشطة المحلية