كتاب

موسم الدراسة بالشمال

أمام هجرة سكان جدة من الحارات الجنوبية العشوائية إلى الشمالية، نتيجة أعمال الهدم والإزالة الهادفة لإنشاء وجهة سياحية عالمية، فإن أول ما يتبادر للذهن عنوان الرواية الشهيرة (موسم الهجرة إلى الشمال) للأديب السوداني الرائع الطيب صالح، لقد بات من المألوف رؤية الازدحام الشديد في الأحياء الشمالية، لدرجة أنك بت تشعر -على سبيل المثال- وأنت بالكاد تقف أمام بوابات المدارس وتدلف لباحاتها وتتجول بين فصولها، بأنك لست في أحد الأحياء الحديثة، وإنما بأحد الأحياء الشعبية المصرية المكتظة عن آخرها بالمركبات والباعة وأولياء الأمور والطلبة؛ كالدقي والسيدة زينب وإنبابه!!

لاشك أننا شعب كريم ومضياف، ولكن، مخطئ من يظن بأن هجرة السكان بكل هذه الأعداد المهولة إلى شمال جدة، يمكن احتواؤها بعبارة (السعة في القلوب) أو (إذا ما شالتك الأرض تشيلك عيوننا) لأن الوضع بالمدارس تحديداً يحتاج لوقفة تنظيمية من الجهات المعنية، حتى لا تتحول تلك الأحياء الجديدة والمدارس الراقية لبؤر عشوائية تغذي الشللية والجريمة!!


لاشك أن العادات المتوارثة والأوضاع المادية لسكان الأحياء الجنوبية تختلف جذرياً عن سكان الأحياء الشمالية، الأمر الذي قد يحدث خللاً تدريجياً بالتركيبة السكانية، حين تتصادم المفاهيم وتتقاطع الموروثات داخل أروقة المدارس، وأتمنى أن لا يأتي متذاكي يحرف كلامي ويلبسه قناع (العنصرية) أو الاضطهاد بسبب اللون أو العرق، فغايتي هنا إيجاد حلول ناجعة، حلول تصب في مصلحة الإنسان الفقير والدرويش، أكثر من انحيازها لمصلحة الرجل المتحضر والمليء.

لطالما أبهرتني هيئة الترفية سواء خلال موسم الرياض أو موسم جدة وهي تستغل الأراضي البيضاء وتنشئ فيها وبمدة وجيزة لا تتعدى الشهرين مدينة ألعاب عالمية متنقلة، حين تدلف إليها تشعر من كمال مرافقها وروعة تجهيزاتها وكأنها أنشئت منذ أعوام، ولطالما تمنيت أن تبهرني وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، مع وزارة التعليم، وتحديداً خلال (موسم الدراسة بالشمال) باستغلال الأراضي الفضاء الكبيرة المخصصة أصلاً للمدارس لإنشاء مجمعات تعليمية حكومية جاهزة سواء للبنين أو للبنات ولجميع المراحل، وهو المشروع الوطني الطارئ الذي سيحتوي أولاد السكان المهاجرين من جهة ويوظف شبابنا العاطلين من جهة أخرى.


إن ازدحام المدارس شمال جدة ووصول بعضها إلى 6000 نسمة بمعدل 40-60 طالبًا بالفصل الواحد، وعلى فترات صباحية ومسائية، قد يدخلها قريباً بمقارنة إحصائية مع دول كالهند والصين، وسوف يفاقم بلا شك من تدهور نفسية المعلمين ومن تدني تحصيل الطلاب، وسوف ينعكس سلباً على وقت التعلم ومستوى الفهم ونظم النظافة، وسوف يؤدي لا محالة لضعف مخرجات العملية التعليمية.

إن الغاية السامية والنبيلة لإعادة تنظيم وتطوير الأحياء الشعبية، يجب أن لا يخلق بالمقابل -بسبب تهاون البعض- أحياء شمالية عشوائية، قد تحتاج الحكومة بعد بضعة أعوام لأعمال تنظيمية وتطويرية لها، وحينها نصبح أمام (موسم الهجرة إلى الجنوب) فتكتظ بوابات المدارس وباحاتها وفصولها الدراسية من جديد، وندخل بدوامة مفرغة من إعادة التطوير بكل مرة، لا نتذكر معها سوى مقولة الروائي الراحل الطيب صالح «أي ثمن باهظ يدفعه الإنسان حتى تتضح له حقيقة نفسه وحقيقة الأشياء»؟!

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!