كتاب

نصر أبوزيد وتفكيك خطاب الإسلام السياسي

لطالما جذبت ظاهرة النشاط الإسلاموي انتباه المثقفين العرب وقادتهم إلى مناقشتها، ومحاولة تفسيرها وتفكيك منطقها.. إحدى الدراسات الرائدة والشهيرة كانت دراسة المفكر المصري نصر حامد أبو زيد التي صدرت بعنوان «نقد الخطاب الديني»؛ وقد أثار الكتاب جدلاً وتوتراً كبيرين، مما اضطر أبو زيد إلى الفرار إلى هولندا لإنقاذ حياته.. يناقش العمل صعود الإسلام السياسي في ثلاثة فصول.. وهو يحلل المبادئ الرئيسية لخطاب الإسلامويين في مصر خصوصاً.

ولا يميز المؤلف بين الأصوات «المتطرفة» والأصوات «المعتدلة» في هذا الخطاب؛ لأنه يعتقد أن الفرق بين الاثنين يكون في الدرجة لا في المبادئ.. وهكذا، يركز على مفهومين رئيسين للإسلاموية: النص والحاكمية.. بقي النص، الذي يتكون من القرآن والسنة النبوية دون تغيير منذ الفترة الأولى للإسلام؛ لكن المشكلة، في رأي أبو زيد، تكمن في التفسير والتأويل.


يشجع القرآن والسنة العقل البشري على الإبداع دوماً في فهم النصوص، وكذلك فعل علماء المسلمين عبر التاريخ، حتى أولئك المعروفين بصرامتهم، الذين دعوا إلى استخدام ما يسمى بالاجتهاد الفقهي.. غير أن الإسلامويين في العصر الحديث يرفضون هذا النهج.. إنهم يعارضون استخدام العقل لتفسير النصوص، ويعتمدون بدلاً من ذلك على حجج العلماء السابقين، على الرغم من أن هؤلاء العلماء كانوا بشراً مثلهم.

يجادل أبو زيد بأن العلماء الإسلاميين الجدد يسعون إلى حرمان العقل من وظيفته الرئيسية التي خلقه الله من أجلها: التفكير.. وسجن البشرية في التقليد الأعمى.. ويقول إن هذا يتناقض تناقضاً واضحاً مع تركيز الإسلام على العقلانية، ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى نظرة أحادية البعد للدين.. لأن الإسلامويين ينكرون العقل.. إنهم لا ينظرون إلى أي طريقة للفهم سوى طريقتهم، وأي تفسير آخر مدان باعتباره انحرافاً.. يستخدم أبو زيد المودودي، الذي أثر بقوة على سيد قطب كمثال؛ وقد تُبنيت أفكاره على نطاق واسع من قبل الأجيال اللاحقة من الإسلامويين.. ومن بين هذه الأفكار تصنيفه للجاهلية الحديثة إلى ثلاث فئات: الإلحاد، والشرك بالله، والصوفية. اعتقد المودودي أن العناصر الأجنبية مثل الفلسفة اليونانية والعلوم والفنون الغربية لها تأثير مدمر على الثقافة الإسلامية وأدت إلى ظهور عقائد وطرق تفكير منحرفة داخل الجسم الإسلامي.. وهكذا، هاجم التراث الفلسفي، والمذاهب مثل المعتزلة، والفنون الحديثة سواء الموسيقى أو الرسم أو النحت.. وعوضاً عن ذلك، دعا المسلمين إلى اتباع التقاليد الإسلامية «النقية» المأخوذة من القرآن والسنة كما يفسرها ويشرحها عدد قليل من العلماء الذين يتبنون موقفاً عقائدياً معيناً.. ويشير أبو زيد إلى أن هذه الأفكار، التي طورها سيد قطب وغيره من الإسلامويين، كانت معادية لأي تنوع داخل الإسلام، وبالتالي أدت إلى الدعوة إلى مفهوم الحاكمية، الذي يضع الشريعة الإلهية ضد جميع أشكال التفكير العلماني.. تعني الحاكمية عموماً أنه لا يوجد حاكم سوى الله، الذي يجب تطبيق قوانينه واتباعها؛ لذلك من الواضح أن أي قانون علماني يهدف إلى استبدال شريعة الله، ويجب عدم السماح به.


الأفكار التي تدعو إلى تطبيق قوانين الشريعة وإلغاء جميع القوانين الأخرى، وكذلك أفكار مهاجمة السلطات العربية وأتباعها أصبحت تدريجياً شائعة نتيجة لهذا التفكير.. ويخلص أبو زيد إلى أن الإسلامويين يخلطون بين مفهومين في هجومهم على العلمانية: فهم يتهمون دعاتها بأنهم يهدفون إلى الفصل بين الإسلام والدولة، وبين الإسلام والمجتمع.. وفي حين أن هذا الأخير مستحيل -لا أحد يستطيع تحقيق مثل هذا الفصل سوى الشعب نفسه- فإن منع الفصل الأول هو الهدف الرئيس؛ وهذا لن يتم إلا بالسيطرة على كل من القوى الدينية والحاكمة، ليكون ذلك الهدف المطلق للإسلام السياسي.

أخبار ذات صلة

اللغة الشاعرة
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
;
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
;
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة
قُول المغربيَّة بعشرةٍ..!!
في رحاب اليوم العالمي للغة العربية
متحف للمهندس
;
وقت الضيافة من حق الضيوف!!
السرد بالتزييف.. باطل
عنف الأمثال وقناع الجَمال: قلق النقد ويقظة الناقد
مزايا مترو الرياض