كتاب

القيم الإسلامية للنظام الاجتماعي المنبثقة من القرآن والسنة

كانت الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة بمثابة إعلان لقيام الدولة الإسلامية، وبناء المسجد النبوي كان قاعدة هذا البناء، وبتتابع الوحي المدني بآيات التشريع؛ اكتملت أسس وأصول هذه الدولة ومبادئها ونظمها، وكذلك تنظيم سياستها الخارجية مع الدول المجاورة وغيرها.

وعند تأملنا للوحي المدني في تنظيمه للمجتمع نجده شاملًا متكاملًا مركزًا على جزئيات دقيقة في شؤون الأسرة وأحكامها، وكذلك في الآداب السلوكية، وفي تعامل أفراد المجتمع فيما بينهم، وركز أيضاً بصورةٍ خاصة على وضع المرأة؛ مزيلًا عنها كل ما لحقها عبر العصور والأزمان من ظلم وامتهان، ولقد شمل النظام الاجتماعي للدولة الإسلامية في الوحي المدني تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع كما يلي:


• الإخاء بين المسلمين: فقد كانت طبيعة المجتمع العربي في الجزيرة العربية بصورة عامة، وفي يثرب بصورة خاصة؛ تسيطر عليه العصبية القبلية، والتي أجّجت نيران الحرب بين قبيلتين من أب وأم واحدة، هما قبيلتا الأوس والخزرج، وأوس كان أخًا للخزرج، فتناحر أبناؤهما وتحاربا على مدى مئة وعشرين عامًا، إضافة إلى اليهود في يثرب، وكلنا يعلم دورهم في إثارة الفتن للتفرقة بين الإخوة الأشقاء.. وقد جاء الإسلام واعتبر كل المؤمنين إخوة بقوله تعالى: (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، وكانت الخطوة الأولى لرسول الله في بناء المجتمع الإسلامي، بعد تشييده للمسجد، مؤاخاته بين الأوس والخزرج، ملغيًا المسمى القبلي، مطلقًا عليهما مسمىً جديدًا هو الأنصار، وأصبح القرشيون بمختلف بطونهم «مهاجرين»، مؤاخيًا بينهم، وفي نفس الوقت مؤاخيًا بينهم وبين الأنصار، فقضى على العصبية القبلية، وأصبح الجميع على اختلاف قبائلهم وبطونهم إخوة.

• تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع بفرض الزكاة على الأغنياء لتعطى للفقراء، والحث على الصدقات، وتحريم التطفيف في الكيل والميزان، وتحريم الربا.


• الحث على التمسك بالآداب الاجتماعية التي تنظم سلوك أفراد المجتمع، ومنها التثبت من صحة الأخبار، وهذه قاعدة أساسية في القضاء، وفي الإعلام وفي العلاقات الدولية، وكذلك في علاقة الحاكم بأفراد رعيته، وكذلك في علاقات الأفراد بعضهم ببعض، وبذلك نجد أنّ هذه القاعدة الخلقية بمثابة منهج للمجتمع المسلم في التثبت من الأقوال، ويستند هذا المنهج على تقوى الله، وإلى إرجاع الأمر إلى رسول الله، وقد أشارت إلى ذلك سورة النساء (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ).

• النهي عن سوء الظن بالمسلم من غير مبرر يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ).. وهذا منهج اجتماعي ينبغي السير عليه والالتزام به، وهي ألا يكون الظن السيئ هو الأساس في الحكم على الآخرين.

• النهي عن التجسس والاطلاع على عورات المسلمين.. والنهي عن الغيبة، وقد شبّه الله تعالى المغتاب بالذي يأكل لحم أخيه ميتًا.

• النهي عن احتقار الغير بالسخرية تارة، وذكر معايب الغير تارة أخرى، وتلقيبه أخيه بألقاب يكرهها تارة ثالثة.. يقول تعالى:(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ).

• النهي عن الكذب ومظاهره وتشمل الخيانة، خلف الوعد، شهادة الزور، والبهتان والنميمة، فالكذب أصل الرذائل، وبه يتصدع بنيان المجتمع.. ولكن الكذب ليس بغيضًا في كل الأحوال، فإن كان أجدى من الصدق للإصلاح بين الناس، وفيه خير فلا يعد كذبًا، وشر أنواع الكذب الخيانة، فإذا ما انتشرت هذه الصفة في قوم تكون نذيرًا للخراب والفوضى.. وخلف الوعد كذلك من ضروب الكذب المكروهة، فهو من آيات المنافق، (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان).. أما شهادة الزور فهي من أقبح شرور الكذب، وقد نهى الله تعالى عنها. والنميمة أيضاً من ضروب الكذب، وأكبر سلاح يُحارَب به النمّام هو عدم الاستماع له، يقول تعالى: (ولا تُطع كل حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، أمّا التكبر، فقد نهى الله عنه، ومن مظاهره الاختيال في السيئة، أو الإعراض بالوجه عمن يتحدث إليه، يقول تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا).

• الحث على الفضائل والتمسك بها وتشمل: الاستقامة وإصلاح النفس، والإحسان، والتقوى التي هي أساس التفاضل بين الناس عند الله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).

وهكذا نجد أنّ الفضائل الخلقية كثيرة، يمكن تلخيصها في فضيلة التقوى، حيث تجتمع كل الفضائل فيها، وتركيز الإسلام على الجانب الخلقي منبثق من نظرة الإسلام للإنسان، وأنّه مادة وروح، فالجوانب الخلقية تخاطب روحه، والجوانب القانونية المتمثلة في الحدود والعقوبات والقصاص تخاطب الجانب المادي فيه، بحيث يحدث توازن بينهما.. فهلّا ربينا أولادنا وبناتنا على هذه القيم والفضائل في بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا، وكنّا لهم القدوة والنموذج المُحتذى؟.

أخبار ذات صلة

شاهد على جريمة اغتيال!!
الأمن الغذائي ومطلب الاكتفاء
التطوع الذكي واستغلال المتطوعين!
إضافات بعض الوعاظ بين الحقائق والخرافات!
;
غدير البنات
السعودية الخضراء
حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
;
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
;
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات