كتاب
قصص من قطر ومشاهدات: الأخضر لعب بالإعدادات
تاريخ النشر: 30 نوفمبر 2022 22:51 KSA
أكتب هذه الأسطر قبل سويعات من مواجهة المكسيك، تعرفون أنتم ما حصل، أنا لا أعرف.. القلب يشع بالأمل والتفاؤل أن يكون الأخضر قد فعلها!!
فعلها الأخضر بالفعل؛ كل من كان هنا في قطر هذه الأيام العشرة يعلم جيداً أن الأخضر فعلها بامتياز، وأن سهمه الجميل أصاب القلوب وأنار الدروب.. سالم ورفاقه أعلنوها بطريقتهم الخاصة؛ حالةَ فرح وحفلةً تنطلق من خليج قطر إلى محيط المغرب.. كان انتصاراً مجنوناً بكل المقاييس، في إيطاليا 90، فازت الكاميرون على رفاق ماردونا، وصنعت التاريخ.. التاريخ قرر أن يتنازل عن حياده، لينسى مجد الأرجنتين العريق (أبطال النسخة السابقة 86)، ويتذكر روجيه ميلا وأصدقاءه.. التاريخ، أعجبه ألا يكون محايداً معنا أيضاً، أطرَبَتْه (يا سعودي جينا.. من كل مدينة)، فقرر ألا يتذكر ميسى لوهلة، إلا في سياق (ميسي وينه).. التاريخ لاعب ماكر، سيظل يذكرنا، حين غلبنا الأرجنتين، وستظل علامةً في قلب كرة القدم.
الأخضر حين هزم الأرجنتين، لعب بالإعدادات هنا في قطر، اهتزت سنن الكون قليلاً؛ امرأة عربية مسنة تطاردني في مطعم مشيرب، تطلب مني علماً سعودياً، تقايضني عليه، ضحكت من قلبي، قلت لها: خذيه بلاش، لم أسأل عن جنسيتها، لا حاجة لذلك، الأخضر جعلنا جميعاً سعوديين.
نقفز الخطى نحو البيت السعودي، نجده مكتظاً بألوان من البشر، حشود من كل بلاد الدنيا، حضرت لتبتهج على الطريقة السعودية، المشهد خارج البيت السعودي في الدوحة كان حكاية أخرى؛ لساعات وساعات يتهافت الجميع من كل مكان، أطفال يلعبون الكرة وعلى ظهورهم أسماء البريكان وسالم وكنو، نساء يلوحن بأعلام خضراء وقلوب أشد خضرة، جهات مختلفة توزع هدايا وتذكارات ليوم لن يمر بهدوء.. يومان أو ثلاثة، وفازت الأرجنتين، وغلبتنا بولندا.. الأرجنتين جمهور جنوب أمريكي لا ينقصه الجنون، هم يصدّرون الجنون والهتافات للعالم كما تعلمون، لكنهم ذلك اليوم تركوا كل شيء؛ وصاروا يغنون (سالم وينه where is Salem)، وير إز سالم؟ شيء ما يحصل في العالم!
وجدنا جماهير غانا في محطة من المحطات، اقتربنا منهم، فإذا بهم يغنون ويرقصون: يمشي كده كده.. يمشي كده كده.. شيء من إلهام ملعب الجوهرة.. جلبتْ كأس العالم مشارب من مقيمين في بلاد العالم سبق أن عاشوا في السعودية، بهجتهم بالسعودية واحتفاؤهم بالأخضر وغناؤهم لمملكة العالم، أمر لا حل معه إلا البكاء.. نجد أنفسنا محشورين في قطار مع جمهور السنغال، يروننا.. يلاحظون العلم الأخضر ملتفاً حول رقابنا مثل قَدِرٍ جميل، يتجهون نحونا، يأخذوننا بينهم، وينطلقون في الغناء: «سنقالي ما شاء الله.. والسأودي ما شاء الله..»، ونحن في خضم الجنون، نغني ولا ندري ماذا نفعل.. تذكرت حينها كل الطلاب الذين مروا على جامعاتنا من إفريقيا وغيرها.
في كتارا يجتمع شباب من بلاد عربية مختلفة يغنون ويرقصون، شاب مغربي يبدأ بأغنية: يا أخضر معاك الله، ينضم له شباب وشابات من كل بلاد العرب، وتستمر الحكاية، بائعة في بسطة، تبيع الجريش، والمرقوق والكرك، ترانا، بأعلامنا وأفراحنا، فتقرر أن توزع علينا وعلى كل من حولنا بالمجان: صحون جريش، ومرقوق، وكرك.. نعترض عليها، ونحاول منعها، نقول: أنت تترزقين الله، فترد بكل عفوية وصدق: فداكم.. فداكم.. أنتم رفعتم روسنا!
مرةً، كنا مجموعة من مشجعي الأخضر، نسير في شارع داخلي.. وفجأة توقفت خلفنا سيارة شرطة، صوت رجل المرور القطري في السماعة الخارجية، يبدأ بالنشيد عالياً: «سارعي للمجد والعلياء .. مجدي لخالق السماء».. اصطففنا، وأكملنا معه النشيد بفخر، ثم ذهبنا نسلم عليه، ونبوس عينيه.. كان موقفاً مهيباً، لا دافع خلفه إلا الحب.. والحب فقط.. مساءً، يتوقف شاب قطري بسيارته.. ويحلف علينا ليوصلنا المنزل، نشكره ونعتذر فيرفض: ما فعله الأخضر جميلٌ لنا جميعاً -يقول- ونريد أن نرد بعضاً منه بأية طريقة.
في مطعم شامي، جلس بجوارنا مكسيكيون؛ أشار أولهم للمناقيش الزعتر بين يديّ، قال أريد مثل هذه.. طلبتها له، فشكرني، وبدأنا حديثاً حول المباراة معهم.. كل المكسيكيين -تقريباً- متفقون أن أخضرنا أفضل، يقولونها بصدق، لكن التعيس قال -ممازحاً- وهو يودعني ليلتها: ليلة سعيدة؟ ورحلة عودة آمنة! تعرفون ماذا يقصد.. (ماذا فعلت بنا المكسيك؟ ماذا فعلنا بها؟ إن قومي يعلمون!!). شاب سعودي قرر أن يعيد العلاقات المقطوعة؛ غنى للأرجنتينيين، يواسيهم بلغتهم، بينما شابٌ برازيلي يلف على المشجعين ويقف عند مشجعي الأخضر، هؤلاء يشبهوننا، يقول، صادق ربما، ولعله يتشمّت على خصومه الزرق، الوضع مشبوه.
لا أعرف ماذا حصل في مباراة المكسيك، أنتم تعرفون النتيجة، بالنسبة لي هنا، مرتاح ومطمئن، مثل طير في عش دافئ.. فاز الأخضر، مهما كانت النتيجة.. فازت السعودية، كما فازت قطر.
فعلها الأخضر بالفعل؛ كل من كان هنا في قطر هذه الأيام العشرة يعلم جيداً أن الأخضر فعلها بامتياز، وأن سهمه الجميل أصاب القلوب وأنار الدروب.. سالم ورفاقه أعلنوها بطريقتهم الخاصة؛ حالةَ فرح وحفلةً تنطلق من خليج قطر إلى محيط المغرب.. كان انتصاراً مجنوناً بكل المقاييس، في إيطاليا 90، فازت الكاميرون على رفاق ماردونا، وصنعت التاريخ.. التاريخ قرر أن يتنازل عن حياده، لينسى مجد الأرجنتين العريق (أبطال النسخة السابقة 86)، ويتذكر روجيه ميلا وأصدقاءه.. التاريخ، أعجبه ألا يكون محايداً معنا أيضاً، أطرَبَتْه (يا سعودي جينا.. من كل مدينة)، فقرر ألا يتذكر ميسى لوهلة، إلا في سياق (ميسي وينه).. التاريخ لاعب ماكر، سيظل يذكرنا، حين غلبنا الأرجنتين، وستظل علامةً في قلب كرة القدم.
الأخضر حين هزم الأرجنتين، لعب بالإعدادات هنا في قطر، اهتزت سنن الكون قليلاً؛ امرأة عربية مسنة تطاردني في مطعم مشيرب، تطلب مني علماً سعودياً، تقايضني عليه، ضحكت من قلبي، قلت لها: خذيه بلاش، لم أسأل عن جنسيتها، لا حاجة لذلك، الأخضر جعلنا جميعاً سعوديين.
نقفز الخطى نحو البيت السعودي، نجده مكتظاً بألوان من البشر، حشود من كل بلاد الدنيا، حضرت لتبتهج على الطريقة السعودية، المشهد خارج البيت السعودي في الدوحة كان حكاية أخرى؛ لساعات وساعات يتهافت الجميع من كل مكان، أطفال يلعبون الكرة وعلى ظهورهم أسماء البريكان وسالم وكنو، نساء يلوحن بأعلام خضراء وقلوب أشد خضرة، جهات مختلفة توزع هدايا وتذكارات ليوم لن يمر بهدوء.. يومان أو ثلاثة، وفازت الأرجنتين، وغلبتنا بولندا.. الأرجنتين جمهور جنوب أمريكي لا ينقصه الجنون، هم يصدّرون الجنون والهتافات للعالم كما تعلمون، لكنهم ذلك اليوم تركوا كل شيء؛ وصاروا يغنون (سالم وينه where is Salem)، وير إز سالم؟ شيء ما يحصل في العالم!
وجدنا جماهير غانا في محطة من المحطات، اقتربنا منهم، فإذا بهم يغنون ويرقصون: يمشي كده كده.. يمشي كده كده.. شيء من إلهام ملعب الجوهرة.. جلبتْ كأس العالم مشارب من مقيمين في بلاد العالم سبق أن عاشوا في السعودية، بهجتهم بالسعودية واحتفاؤهم بالأخضر وغناؤهم لمملكة العالم، أمر لا حل معه إلا البكاء.. نجد أنفسنا محشورين في قطار مع جمهور السنغال، يروننا.. يلاحظون العلم الأخضر ملتفاً حول رقابنا مثل قَدِرٍ جميل، يتجهون نحونا، يأخذوننا بينهم، وينطلقون في الغناء: «سنقالي ما شاء الله.. والسأودي ما شاء الله..»، ونحن في خضم الجنون، نغني ولا ندري ماذا نفعل.. تذكرت حينها كل الطلاب الذين مروا على جامعاتنا من إفريقيا وغيرها.
في كتارا يجتمع شباب من بلاد عربية مختلفة يغنون ويرقصون، شاب مغربي يبدأ بأغنية: يا أخضر معاك الله، ينضم له شباب وشابات من كل بلاد العرب، وتستمر الحكاية، بائعة في بسطة، تبيع الجريش، والمرقوق والكرك، ترانا، بأعلامنا وأفراحنا، فتقرر أن توزع علينا وعلى كل من حولنا بالمجان: صحون جريش، ومرقوق، وكرك.. نعترض عليها، ونحاول منعها، نقول: أنت تترزقين الله، فترد بكل عفوية وصدق: فداكم.. فداكم.. أنتم رفعتم روسنا!
مرةً، كنا مجموعة من مشجعي الأخضر، نسير في شارع داخلي.. وفجأة توقفت خلفنا سيارة شرطة، صوت رجل المرور القطري في السماعة الخارجية، يبدأ بالنشيد عالياً: «سارعي للمجد والعلياء .. مجدي لخالق السماء».. اصطففنا، وأكملنا معه النشيد بفخر، ثم ذهبنا نسلم عليه، ونبوس عينيه.. كان موقفاً مهيباً، لا دافع خلفه إلا الحب.. والحب فقط.. مساءً، يتوقف شاب قطري بسيارته.. ويحلف علينا ليوصلنا المنزل، نشكره ونعتذر فيرفض: ما فعله الأخضر جميلٌ لنا جميعاً -يقول- ونريد أن نرد بعضاً منه بأية طريقة.
في مطعم شامي، جلس بجوارنا مكسيكيون؛ أشار أولهم للمناقيش الزعتر بين يديّ، قال أريد مثل هذه.. طلبتها له، فشكرني، وبدأنا حديثاً حول المباراة معهم.. كل المكسيكيين -تقريباً- متفقون أن أخضرنا أفضل، يقولونها بصدق، لكن التعيس قال -ممازحاً- وهو يودعني ليلتها: ليلة سعيدة؟ ورحلة عودة آمنة! تعرفون ماذا يقصد.. (ماذا فعلت بنا المكسيك؟ ماذا فعلنا بها؟ إن قومي يعلمون!!). شاب سعودي قرر أن يعيد العلاقات المقطوعة؛ غنى للأرجنتينيين، يواسيهم بلغتهم، بينما شابٌ برازيلي يلف على المشجعين ويقف عند مشجعي الأخضر، هؤلاء يشبهوننا، يقول، صادق ربما، ولعله يتشمّت على خصومه الزرق، الوضع مشبوه.
لا أعرف ماذا حصل في مباراة المكسيك، أنتم تعرفون النتيجة، بالنسبة لي هنا، مرتاح ومطمئن، مثل طير في عش دافئ.. فاز الأخضر، مهما كانت النتيجة.. فازت السعودية، كما فازت قطر.