كتاب

إتريــــــــــك

الإضاءة بأشكالها وأنواعها هي من نعم الله الكثيرة التي لا نعطيها حقها من التقدير، سواء كانت طبيعية أو صناعية، وبالرغم أنها كانت من التحديات الرئيسة التي واجهت البشرية عبر العصور، إلا أننا نجهل أو ننسى تفاصيل تاريخها.. وقد استخدمت النيران بطرق مختلفة لفك قيود الظلام، واستخدم الوقود من زيوت، وفحم، وأخشاب لهذه الخدمة المهمة.. وتاريخ الإضاءة يحتوي على بعض من أجمل القصص، وبعضها من العصر الحديث.. لم تكن الكهرباء كما نعرفها اليوم منتشرة في الوطن إلى فترةٍ قريبة نسبياً.. لا زلت أتذكر استخدام الوسائل المختلفة للإضاءة المنزلية، وبعض الشوارع أيضا، ومعظمها كانت جميلة بطريقتها الخاصة.. كانت تُزين الشوارع، وتتطلب عناية خاصة من تعبئة الوقود، والتنظيف، والتشغيل.. وكانت الإضاءة الناتجة عن احتراق وقودها خافتة وهادئة.. وعلى رأس الأساليب التقليدية للإضاءة قبل انتشار الكهرباء والبطاريات المتطورة؛ كان مصباح «الإتريك».. الذي كان حجمه صغيراً، وكان نوره ساطعاً، وكان جميلا ونظيفاً جداً بدون الانبعاثات الكربونية، ولا الحرارة، ولا الرائحة التي كانت سمة الإضاءة أيام زمان.. وتميَّز أيضاً بمقاومته للتيارات الهوائية.. ومنذ اختراعه في نهاية القرن التاسع عشر، كان مثالاً للتقنية المتطورة النظيفة.. ولكن تشغيله كان صعباً ومعقداً. يبدأ بتركيب فتيلة قطنية تُشبه «الكوفية المخرمة» الصغيرة جداً.. ثم يتم النفخ في خزان الوقود الكيروسين (القاز) لتوليد فوارق ضغط؛ ليُصبح الوقود رذاذا معلقا في الهواء.. وبعدها يُضاء بالكبريت إلى أن تشتعل الفتيلة بالنار البرتقالية «الباردة» نسبياً، ثم يتم إرسال رذاذ الوقود والهواء، فتتغيَّر الشعلة لتصبح زرقاء، ثم تتحوَّل إلى اللون الأبيض ناصع البياض.. وكان جميلاً وقوياً، واقتصادياً في حرق الوقود، وفي التشغيل بشكل عام.

اكتشفت اليوم إحدى المعلومات الغريبة عن فتيل «الإتريك»، وهو أنه كان يحتوي على عنصر «الثوريوم» المشع.. هذا العنصر من أولاد عم «اليورانيوم». ولنعرج قليلا على بعض من خصائصه: هو من الفلذات التي تتميز بإصدار إضاءة قوية عند تعرُّضها للضوء، وهي نعمة من نعم الله اسمها «التلألؤ».. وقد تم اكتشافها في القرن التاسع عشر كخصائص مجموعة من المعادن.. تم تطويع هذه النعمة في عدة تطبيقات، ومنها فتيلة «الإتريك». جدير بالذكر هنا أن عنصر «الثوريوم» هو من العناصر المرغوبة لتوليد الطاقة النووية.. ويتميَّز عن عنصر «اليورانيوم» المشع المستخدم عالميا في المفاعلات النووية، وكما أنه يُوفِّر كمية طاقة أكبر نسبةً إلى وزنه، وهو أكثر نظافة، وتحديداً، فإحدى مخلفات استخدامات عنصر «اليورانيوم» في توليد الطاقة النووية هو عنصر «البلوتونيوم»، الذي يمكن استخدامه في تصنيع الأسلحة النووية، وهذه الخصائص ليست موجودة في الثوريوم.


* أمنيـــــة:

قبل حوالى ثلاثين سنة، تم استبدال عنصر الثوريوم في فتيل «الإتريك» بعناصر أخرى، وأهمها عنصر «السيريوم»، وهو أقل إشعاعاً. ولكن تخيَّل أننا كُنَّا نستخدم مادة مشعة في الإضاءة بدون أن نعلم. وللعلم فهناك العديد من المواد المشعة في حياتنا، ولكنها أقل تفاعلاً، ولا تُمثِّل خطورة علينا ولله الحمد. أتمنى أن نستكشف عجائب المواد التي نستخدمها اليوم وكل يوم، وأن يقينا الله شرورها، وهو من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح