كتاب

مخدّر تيك توك: كبّسوا يا شباب!

كنت أعتقد أن مصطلح (مخدر رقمي) هو مجرد مبالغة؛ القصد منها وصف إدمان بعض المراهقين للإنترنت وتحذيرهم منه.. لكن ما تضخه منصة (تيك توك) يومياً في عموم البشر حول العالم؛ جعلني أُعيد النظر مرة أخرى في اعتقادي هذا، بل وأُعلن تراجعي عنه.. فإن لم يكن ما يحدث في عوالم هذا التطبيق -مالئ الدنيا وشاغل الناس- هو التخدير والإدمان بعينه؛ فما هو التخدير إذن؟!.

لستُ جاهلاً بعوالم التقنية والحاسبات، وأزعم أن لي علاقة أكثر من جيدة بالبرمجة تحديداً، التي قضيت معها سنوات عديدة، وأُدرك تماماً خطورة مثل هذا التطبيق؛ الذي صُممت واجهته بشكل يخطف الأنظار، ويُقصّر فترات الانتباه، لخلق حالة من الاختطاف، والسعادة الوقتية، من خلال محتوى يعتمد على السهولة والسرعة والاختصار؛ لرفع مستوى (الدوبامين) عند المستخدم، إضافة إلى التماشي العجيب مع ميول المستخدمين.


هل لاحظت كيف يقرأ التطبيق أفكارك ورغباتك؛ ثم يدفع لك بمقاطع لا نهائية من نفس النمط دون توقُّف؟!.

إن السرعة المرعبة التي اكتسح بها التطبيق الصيني كل منصات التواصل الاجتماعي، (قرابة مليار مستخدم في ثلاث سنوات)، دليل آخر على أنه تطبيق غير عادي، فقد صنعت (تيك توك) في سنوات قلائل ما عجزت عنه شركات عالمية كبرى مثل: (هوليود) وغيرها على مدار عقود.


الملايين حول العالم صاروا أسرى، ومدمنين على التزلج عبر شاشاتهم في عوالم لا تنتهي من المتع الموجهة حسب رغباتهم وأذواقهم، أما الذين يُجيدون صناعة هذا الارتجال الجماعي، فيُكافأون بالإعجابات والشهرة والأموال أيضاً.. فكل حركة أو حتى إيماءة يتم شراؤها، ومن ثم بيعها.. ووفقًا لدراسة أجرتها شركة (URLGenius)؛ فإن (تيك توك) يُمثِّل أكبر فرصة للتسويق الرقمي في التاريخ، إنهم يستخدمون كل شيء لبيع أي شيء لك، فضلاً عن تتبُّع تحرُّكاتك والتحكم في أفكارك.. المضحك أنك لو قلت هذا للمستخدمين الواقعيين تحت تأثير مخدرها اللذيذ؛ فسيقولون لك: «لا يهم، نبغى الشهرة والفلوس.. (وكبسّوا يا شباب).

تقول الدكتورة جولي أولبرايت المتخصصة في الثقافة الرقمية، في مقال لها على فوربس: إن مستخدمي (تيك توك) يجدون أنفسهم في حالة من المتعة المخدّرة تُشبه التنويم المغناطيسي، هذه الحالة تجعلهم يستمرون ويستمرون في المشاهدة.. إنه (كوكايين رقمي) بكل تأكيد، فله تأثير كبير على الدماغ البشري، والمؤسف أكثر أنه بالرغم من أن التطبيق غير آمن للأطفال؛ حيث ينتهك طفولتهم في كثير من مقاطعه، إلّا أن 32.5% من مستخدميه تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً!.

تيك توك يبرز الأسوأ فينا للأسف.. فإذا كان القدماء يعتقدون أن الحكمة تأتي من معرفتك لنفسك، فإن تيك توك يعكس ذلك المبدأ تماماً، حين يُشجِّع الناس -على اختلاف أعمارهم وشرائحهم- على أن يكونوا أشخاصًا تافهين؛ يلهثون خلف المتعة، عبر ما يُشبه حفلات تنكُّرية لا تنتهي، يحاول فيها الجميع كسب اللايكات، بعد أن يتم فيها التحلُّل من كل القِيَم في سبيل المال.. إنه بالفعل (مخدر رقمي) بامتياز.

أخبار ذات صلة

الطرق البطيئة
في العتاب.. حياةٌ
مهارة الإنصات المطلوبة على المستوى الدولي
مقوِّمات.. لاستقرار الشركات العائلية
;
ستيف هوكينغ.. مواقف وآراء
لا تخرج من الصندوق!
(قلبي تولع بالرياض)
سياحة بين الكتب
;
تمويل البلديات.. والأنشطة المحلية
الإدارة بالوضوح!
نحـــــاس
أدوار مجتمعية وتثقيفية رائدة لوزارة الداخلية
;
«صديقي دونالد ترامب»
قِيم الانتماء السعودية
جدة.. الطريق المُنتظر.. مكة!!
إسراف العمالة (المنزليَّة)!