كتاب

ألمونيــــــــوم

بدأت هذا المقال جالساً بداخل أنبوب عملاق يزن حوالى ربع مليون كيلوجرام، علماً بأن سبعين بالمائة من مكونات طائرة البوينج 777 التي كنتُ جالساً بداخلها مصنوعة من الألمونيوم.. وكنتُ بإرادة الله أسير على سرعة حوالى تسعمائة كيلومتر في الساعة، وعلى ارتفاع حوالى عشرة كيلومترات، في منتهى الراحة والانعزال عن العناصر الرهيبة حولي.. احتكاك الهواء القوي الذي يمكنه أن يسلخ تيساً صغيراً في أقل من خمس ثوان، ودرجة الحرارة المنخفضة التي يمكن أن تُجمّد صحن فول من الحجم العائلي في أقل من ثانية.

الألمونيوم هو من نعم الله الرائعة.. والاسم الصحيح هو «ألمونيوم»، كما يُسمِّيه الإنجليز.. وليس «ألمونوم» كما يُسمِّيه الأمريكان.. علماً بأنه كان محاولة تسويقية ذكية لرفع شأن العنصر، وإضفاء قيمة مضافة.. فضلاً لاحظ أن الاسم يُوحي لك أن من العناصر الثمينة مثل «بلاتينوم» و»روديوم» و»أوزميوم» و»رينيوم».. كلها نادرة بعكس الألمونيوم، فهو من أكثر العناصر شيوعاً على كوكبنا، وبالرغم من ذلك فقد كان من أغلى المعادن بسبب صعوبة استخراجه، لدرجة أنه كان يُستخدم في صناعة التحف وأطقم السفرة في قصور حُكَّام العالم. وتغيَّر كل هذا قبل حوالى مائة سنة، عندما تم اكتشاف طرق إبداعية لفصله عن الشوائب، وتنقيته لينخفض سعره مما يُعادل حوالى خمسة آلاف ريال للكيلوجرام في منتصف القرن التاسع عشر، إلى حوالى تسعة ريالات فقط، اليوم.. وسبب انخفاض السعر لم يكن بسبب اكتشاف كميات جديدة، وإنما بسبب تقنيات استخراج العنصر من المواد الأخرى العالقة، وأهمها الأوكسجين.


كانت قفزة فنية غيرت تاريخ العالم. جوهر الموضع لم يكن السعر بحد ذاته، وإنما الاستفادة من الخصائص المذهلة لهذه النعمة العظيمة، وأهمها القوة، خفة الوزن، ومقاومة عناصر الزمن لدرجة أن القرن العشرين بأكمله ممكن أن يُصنَّف بأنه عصر الألمونيوم. والتعليل لهذه الصفة تأتينا من التحولات الهائلة لنا جميعاً في عالم الكهرباء، والعمران، والفضاء والطيران، والمشروبات، وأواني المطابخ، وبعض الأدوية.. يعني باختصار أن انتشار الكهرباء كان بمشيئة الله ميسراً بوجود الكابلات المصنوعة من الألمونيوم، وكانت قدرته على نقل الكهرباء، وسعره المنخفض نسبياً، وخفة وزنه، هي أهم الخصائص التي أدت إلى تألقه.. لاحظ مثلاً أن خفّة وزنه تسمح بمده لمسافات طويلة، بدون أن يرتخي بسبب وزنه.. وفي عالم المشروبات فضلاً أنظر في بلايين العلب المصنوعة من الألمونيوم لتوفير البيبسي والكوكاكولا والسفن وغيرها التي نستخدمها يوميا.. وفي عالم الأدوية، نجد استخدامه في ملطفات حرقان المعدة، وفي علاج حروق الجلد.. ولكن الاستخدام الذي جعل الألمونيوم يتألق حقاً هو الطيران والفضاء.. فمن شبه المستحيلات أن تجد طائرة لا تستخدم هذا العنصر بنسبة عالية في تصنيعها.. حتى الطائرات الجديدة التي تستخدم الألياف الكربونية بكثرة، لا تزال تعتمد على الألمونيوم كأهم المواد المستخدمة في تصنيعها. وللعلم فلا يستخدم العنصر منفرداً، فهناك إضافات لعناصر أخرى بكمياتٍ مختلفة لتمنحه القوة بمشيئة الله، وعلى سبيل المثال، فبعض من تلك الخلطات تستخدم مجموعة من العناصر ومنها: الزنك، والنحاس، والتايتنيوم، والمجنيزيوم، والمانجنيز.. وللعلم أيضاً، فحتى مركبات الفضاء تستخدم الألمونيوم كإحدى أهم مكوناتها.. جميع الصواريخ، وخزانات الوقود، وكبسولات الفضاء، سواء كانت أمريكية، أو أوروبية، أو روسية، أو صينية، اعتمدت ولا تزال تعتمد على الألمونيوم كعنصر أساس في تركيبتها.

* أمنيـــــة:


الحمد لله الذي أنعم علينا بكميات من هذا العنصر الرائع ضمن خيرات أرض الوطن، وأتمنى أن نتذكَّر كيف تحوَّل الألمونيوم من سلعةٍ غالية بدون فائدة كبيرة، إلى نعمةٍ كبيرة بسعر أقل، وفوائد هائلة.. قصة هذا العنصر الحيوي تستحق وقفات تأمُّل، فهي من نعم الله الرائعة، وهو من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح