كتاب
جنـــــــــاح
تاريخ النشر: 13 فبراير 2023 21:59 KSA
كل جناح وراءه حكايات تستحق وقفات تأمل.. سواء كانت أجنحة الحشرات، أو الطيور، أو الطائرات.. وحكاية هذا المقال عن جناح البوينج 747 الشهيرة بلقب «الجامبو»، نظراً لحجمها الهائل.. وقبل الدخول في التفاصيل، فأود أن أعرج على إحدى أهم التحديات التي تواجه معظم البشر، وهي الزيادة في الوزن.. مع مرور الزمن نجد أنفسنا في معارك خاسرة أمام التحكم في أوزاننا.. وبالنسبة لي شخصياً، هي تحديات لها علاقة بعدم القدرة على مقاومة اللدو، واللبنية، وكباب الميرو، والمبشور.. طيب وما علاقة هذا بالجامبو؟، لنعود إلى منتصف الستينيات من القرن الماضي.. عندما بادرت شركة «بوينج» لتصميم الطائرة العملاقة كانت تقديرات وزنها في حدود 249 ألف كيلوجرام، علماً بأن المحركات التي كانت متوفرة آنذاك كانت جديدة بالكامل، وكانت بالكاد تكفي لتأمين أداء الطائرة التي صممت لتكن من الأسرع في الجو، والأعلى في الارتفاع، والأبعد في المدى، والأكثر توفيراً في الوقود للمقعد. ولكن خلال مراحل تصميم الطائرة، وبسبب التغيُّرات في المتطلبات والحلول الهندسية المختلفة، زاد وزنها بمقدار حوالى ثلاثين في المائة، فوصل إلى 322 ألف كيلوجرام قبل أن تطير، وكانت هذه من أسوأ الأخبار لشركة «برات آند ويتني» المصنِّعة للمحركات. السؤال الحرج كان: من أين ستأتي بالقوة الإضافية لتحريك ورفع تلك «الدبة»؟.. ولكن بالرغم من التحديات، استطاعت بعد صرف المبالغ الهائلة أن تجد الحلول الفنية الوجيهة للتغلب على تحدِّي توفير القوة الإضافية للتعامل مع الزيادة في الوزن.. ولكن بقى تحدِّي الجناح، فهو السطح الأساس الرافع للطائرة، فكيف سيُحقِّق الأداء بالرغم من الوزن الزائد؟. وكان تصميم الجناح مبهراً للغاية، فمساحته الهائلة كانت تبلغ حوالى خمسمائة وإحدى عشر متراً مربعاً.. وهي مساحة تفوق بعض أراضي المنح أيام زمان.. ولكن فريق تصميم الجامبو اكتشفوا أن هناك مشكلة في ثبات الطائرة عند تحليقها، وأن الجناح بأكمله سيحتاج إلى إعادة تصميم، مما سيتطلب استخدام موارد كثيرة.. يعني زيادة صرف، وتأخيرات.. ولكن بتدخل هندسي في غاية الذكاء، تم اكتشاف أن معضلة جناح الجامبو يمكن حلها لو تم التواء كامل جناح الطائرة بحوالى ثلاث درجات. وبالرغم أن مقدار الالتواء قد يبدو بسيطاً، إلا أن الجناح العملاق طوله ما يعادل حوالى درزن سيارات «لاند كروزر»، مما يجعل الموضوع في غاية الصعوبة.. الشاهد أن بعد محاولات واختلافات هندسية هائلة؛ تم تطبيق الالتواء على الجزء الخارجي فقط من الجناح، وحقق ذلك الهدف المنشود.. وأصبح من أساطير شركة بوينج، وأطلق عليها اسم «التواء سَتَر»، نسبةً إلى رئيس فريق تصميم الجامبو «جوزيف ستر».
تاريخ البوينج 747 مليء بالقصص الجميلة. وبالرغم من أن الخطوط الجوية العربية السعودية لم تشغل أكبر عدد من طائرات الجامبو، إلا أنها تمتَّعت بخبرة تشغيل أكبر تنوع من طرازاتها.. وتحديداً فقد شغلت طرازات 100 و200 و300 و400 و»إس بي»، وداش 8.. وكلها غيَّرت تاريخ النقل الجوي في الوطن، بل وفي العالم بأكمله، ومن الطرائف أن كلها طارت بنفس تصميم الجناح، ولكن بزيادات من هنا وهناك، باستثناء طراز «الداش 8»، التي خدمت أقل مدة في أسطول السعودية كطائرة نقل، وكان جناحها مختلفاً تماماً عن إخوتها.
* أمنيـــــــــة:
هناك مَن هم أعلى كفاءة مني في سرد حكايات الأجنحة.. وهم طيارو الخطوط الذين طاروا بهذه الطائرة وغيرها بجدارة خلال فترة أكثر من أربعين سنة، وبعضهم كانوا من أصغر الكباتن في العالم. أتمنى أن نتذكرهم بالخير، ونُكرّمهم، فقد تركوا بصمات أهم مما تركت أجنحة الطائرات بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.
تاريخ البوينج 747 مليء بالقصص الجميلة. وبالرغم من أن الخطوط الجوية العربية السعودية لم تشغل أكبر عدد من طائرات الجامبو، إلا أنها تمتَّعت بخبرة تشغيل أكبر تنوع من طرازاتها.. وتحديداً فقد شغلت طرازات 100 و200 و300 و400 و»إس بي»، وداش 8.. وكلها غيَّرت تاريخ النقل الجوي في الوطن، بل وفي العالم بأكمله، ومن الطرائف أن كلها طارت بنفس تصميم الجناح، ولكن بزيادات من هنا وهناك، باستثناء طراز «الداش 8»، التي خدمت أقل مدة في أسطول السعودية كطائرة نقل، وكان جناحها مختلفاً تماماً عن إخوتها.
* أمنيـــــــــة:
هناك مَن هم أعلى كفاءة مني في سرد حكايات الأجنحة.. وهم طيارو الخطوط الذين طاروا بهذه الطائرة وغيرها بجدارة خلال فترة أكثر من أربعين سنة، وبعضهم كانوا من أصغر الكباتن في العالم. أتمنى أن نتذكرهم بالخير، ونُكرّمهم، فقد تركوا بصمات أهم مما تركت أجنحة الطائرات بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.