كتاب

جنــــــــــــاح 2

في مقال الأسبوع الماضي كتبتُ عن بعض عجائب جناح البوينج 747.. وبالرغم من قصصه المذهلة، فهناك أجنحة من نوع آخر تتفوَّق عليه، بل وعلى جميع أجنحة الطائرات.. مقالي اليوم عن بعض من روائع أجنحة الحشرات.

وفي البداية أود أن أُوضِّح أن الطيران أسهل للمخلوقات الصغيرة.. كلما كان الحجم أصغر، كلما كان التعامل مع التيارات الهوائية أيسر، لدرجة أن بعض المخلوقات الصغيرة جداً لا تحتاج لأي أجنحة للطيران، ومنها على سبيل المثال البكتيريا والفيروسات.. وأما الحشرات الصغيرة فنجد أنها تتعامل مع الهواء بأريحية تامة.. والقاعدة الأساسية أن الحشرات تتمتع بوجود أربعة أجنحة، ولكن بعضها -مثل بعض أنواع النحل والذباب- فَقَد جناحين بدون أن يُؤثِّر ذلك على أدائه.. وفي الواقع نجد أن بعض أنواع الذباب حوَّلت اثنتين من جناحيها إلى مستشعرات التوازن.. ولذا تجد أن الذباب العنيد لديه قدرات عجيبة على الطيران المقلوب، والأصعب من ذلك هو الهبوط المقلوب، أو على الأسطح المائلة، ويتطلب ذلك مهارات جبَّارة لا يمكن أن تتحقق بدون وجود منظومة توازن دقيقة جداً بمشيئة الله. وأما البعوض فهو يُبهرنا بقدراته على الرفع الثقيل، فبعد القرصة المزعجة ومص الدماء، تقلع الناموسة بما يفوق وزنها من الدم.. يعني أكثر من مائة في المائة من وزن الناموسة الفارغ.. وهذه الحمولة تتفوَّق على أفضل طائرات الشحن المتطورة اليوم، ومنها البوينج 747، التي لا تتعدى حمولتها حوالى ثلث وزنها.. وقد تبدو أجنحة الحشرات وكأنها هشَّة، ولكنها قوية جداً، وتؤدي العديد من الوظائف المهمة، ومنها التالي: أولاً 'الدعاية والإعلان'، وخصوصاً لدى الذكور لجذب الإناث من خلال الألوان الزاهية أو الأصوات العالية.. وللتذكير، ففي عالم الحشرات الذكور هم الغلابى، والإناث هن القبضايات.. وثانياً تحتوي بعض الأجنحة على قطع تثبيت في أطرافها لضمان ثبات الجناح وعدم خضوعه للرفرفة الشديدة، التي يمكن أن تضر بكيانه الإنشائي.. وثالثاً: تتألق أجنحة الحشرات في التطبيق والفرد بوجاهة متميزة وبسرعات كبيرة، حيث إن بعض من تلك المخلوقات تحمي أجنحتها في أغطية محكمة الإغلاق على أجسامها.. كما أن المفاصل في الأجنحة تعتبر من أقوى المنشآت الهندسية، لأن بعض الأجنحة تُرفرف بمعدلات مذهلة.. وعلى سبيل المثال، فبعض أنواع البعوض تُرفرف بمعدلات تفوق خمسمائة مرة في الثانية الواحدة.. ولذا فهي شهيرة 'بالزن'.. ونجد أن متطلبات المناورات لتلك المخلوقات الصغيرة تتطلب قوة هائلة وتحكُّم في التوازن.


وعلى سيرة القوة الهائلة، فضلا لاحظ أن بعض الحشرات تبدو وكأنها 'دبدوبة'، فأجسامها هائلة نسبةً إلى أجنحتها الصغيرة. وإحدى أروع الأمثلة على ذلك نجدها في عالم النحل. وهناك مقولة شهيرة أن حسب حسابات هندسة الطيران التقليدية، مفروض أن لا تطير النحلة، لأنها ثقيلة جداً نسبةً إلى مساحة جناحيها.. ولكنها تطير بمشيئة الله.

وأخيراً، فمن أهم وظائف أجنحة الحشرات الأخرى نجد التنفس، والتحكم في الحرارة، وتوفير القوة اللازمة من خلال منظومة السباكة على الجناح.


* أمنيـة:

ما الذي استفدناه من كل ما جاء أعلاه؟!.. الكثير من التصاميم اليوم في عالم الطيران تستفيد من روائع الخلق في عالم أجنحة الحشرات، ومنها على سبيل المثال: في مجال تطويع التيارات الهوائية عبر الأسطح المختلفة في الطائرات التجارية والحربية، وذات التحكُّم عن بُعد.. بعضها يتطلب التدفق الهوائي السلس، وبعضها يتطلب الجريان الهوائي المضطرب.. أتمنى أن ندرك روائع هذه المعجزات، وأن نتذكَّر ما جاء في الآية الكريمة رقم (26) في سورة البقرة 'إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا'.. وهو من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح