كتاب

جنـــــــــاح 4

عندما نفكر في الطيران، فالغالب أن أول ما يرد إلى ذهننا هو الجناح.. وأسرار الأجنحة كثيرة ورائعة.. وفي الأسابيع الماضية كتبت عن جناح البوينج 747، ثم جناح الحشرات، ثم جناح الطيور.. واليوم أود أن أناقش أجنحة النباتات.. وسأبدأ بتقنين مفهوم الجناح، فهو السطح الذي يسمح بتطويع الهواء لتحقيق الرفع بمشيئة الله.. وتعوَّدنا على أن النبات مثبت في الأرض، وأنه لا يتحرك، ولذا فمفهوم الطيران في عالم النبات قد يبدو ولأول وهلة أنه بعيداً عن المعقول.. ولكن بالنظر في إحدى أهم وظائف النباتات، نجد أن التكاثر من خلال نشر البذور يتطلب استخدام الهواء لنشر البذور واللقاح، وبالتالي فهناك حاجة ماسة لقدرات الطيران.. فضلاً لاحظ أن بعض النباتات بأشكالها وأحجامها المختلفة تنشر البذور من خلال إطلاقها في الهواء بشكلٍ مباشر، وهنا تتجلَّى بعض من روائع الطيران، لأن تلك البذور تمتطي الهواء لمسافات بعيدة.. بعضها تطير كمراوح الحوامات، ومنها مجموعات «سامارا»، وأشهرها بذور أشجار «القيقب» Maple.. وأشجار «الدردار»Elm .. تنطلق هذه البذور وكأنها مراوح طائرات الهيلوكوبتر؛ بحركات هوائية جميلة تحملها بعيداً عن الشجرة الأم، لتهبط بعيدا بكل رفق.. وهناك أيضاً بعض النباتات التي تطلق بذورها على شكل مظلات، ليحملها الهواء لمسافات حسب ما تسمح به التيارات الهوائية، ثم تهبط بسلاسة كما يهبط «البراشوت».. وبعض البذور الصغيرة جدا لا تحتاج لأي أسطح لتمتطي الهواء، فبسبب حجمها المتناهي الصغر، تستطيع بإرادة الله أن تمتطي التيارات الهوائية المختلفة، وحتى الضعيفة منها لتنتشر.. وسبحان الخالق العظيم.

وخصائص الطيران في النباتات، لا تقتصر على نشر البذور للتكاثر فحسب، فهناك أيضا جمال هندسة أوراق النباتات التي تتميز بأسطحها الانسيابية، لتقاوم تيارات الهواء من جانب، وتيسّر بمشيئة الله تعرّض أسطحها الخضراء لأشعة الشمس، لتحصل على الطاقة اللازمة لإنتاج السكريات، لضمان حياتها بإرادة الله.. وتتمتع تلك الأسطح بالقوة لتقاوم الهواء، ولكنها تتميز أيضاً بالليونة لتطويع حركة التيارات الهوائية بأريحية.. فكّر في تلك الليونة عندما تتمتع بأكلات ورق العنب الجميل، وأضيف هنا أن معظم أسطح أوراق النباتات تتمتع أيضا بخصائص تطويع التيارات الهوائية لتنظيف أسطحها، وبالذات التخلص من الغبار، والتحكم في كميات تراكم المياه للمحافظة على وزن الورقة وتوازنها.


وأحد أهم الأجنحة التي تستخدمها النباتات هي أجنحة الآخرين.. والمقصود هنا هو تطويع خدمات الطيور والحشرات لنقل البذور واللقاحات.. وهنا تستخدم النباتات الروائح، والأشكال، والألوان، والرحيق لجذب الكائنات المختلفة لنقل الحمولات من مكان لآخر.. وهناك المزيد، فأحد أوجه الإبداع الإضافية في استخدام الأجنحة هي تكريس نظام المصالح المشتركة. وتوفر النباتات لاستخدام أنشطة الحشرات والطيور لنقل بذور ولقاح النباتات، وهذه هي إحدى أهم العلاقات التي أنعم الله علينا بها، فخدمات التوصيل تخدم الجميع.. فمن جانب تحصل المخلوقات الطائرة على الرحيق الغني بالمكونات الغذائية الرائعة، ومن جانب آخر تحصل النباتات على خدمات التوصيل الفعالة لنشر البذور، ويحصل العالم على نعم الثمرات بلطف الله.

* أمنيـــــــة:


روائع الطيران والأجنحة لا تقتصر على الطائرات، ولا على الطيور، ولا الحشرات فحسب، فالنباتات أيضا تطوع بعضا من أجمل روائع الطيران، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة لنقل حمولاتها عبر المسافات المختلفة. أتمنى أن نضيف هذه المنظومات الإعجازية إلى النعم الجميلة التي تستحق وقفات إعجاب من الخالق العظيم، وهو من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح