كتاب

في الفلسفة.. أبا الخيل ينصف ابن خلدون!

كتب يوسف أبا الخيل مقالًا في صحيفة الوطن السعودية بعنوان: (ابن خلدون والعداء المزعوم للفلسفة)، وقد وقف أبا الخيل من مقولة ابن خلدون في الفلسفة موقفًا موضوعيًّا، وقرأها بعيدًا عن الأحكام المسبقة، ووجد لها تعليلًا ومخرجًا يجعلها - أي المقولة - حقًّا نطق به ابن خلدون تجاه الفلسفة. يقول ابن خلدون - بحسب ما أورده أبا الخيل - عن الفلسفة: «ذلك أن قومًا من عقلاء النوع الإنساني زعموا أن الوجود كله، الحسي منه وما وراء الحسي، تدرك أدواته وأحواله بأسبابها وعللها بالأنظار الفكرية والأقيسة العقلية، وأن تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر، لا من جهة السمع، فإنها بعض من مدارك العقل». المفارقة هنا ليس في كلام ابن خلدون؛ وإنما في إقرار أبا الخيل بصحة قول ابن خلدون وصوابية رأيه في هذه الجزئية عن الفلسفة؛ فالمعهود أن هناك خصومة حاصلة بين علماء الدِّين والفلسفة، وهذه الخصومة ليست حادثة؛ بل هي قديمة منذ العصور الإسلامية الأولى، وكان الإمام الغزالي حامل رايتها في كتابه (تهافت الفلاسفة). الشيء الذي كان يريد له مناصرو الفلسفة أن يبقى مبهمًا هو حقيقة الخصومة مع الفلسفة، أهي خصومة شاملة لكل جوانبها؟ أم هي خصومة لجوانب منها؟. والحق الذي لم يكن مناصرو الفلسفة يُظهرونه هو أن الخصومة مع الفلسفة لم تكن خصومة شاملة لكل جوانبها؛ وإنما كانت مع البدايات التي قامت عليها الفلسفة التي شُغلت حينها بالغيبيات وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقيا)، وهذه الأمور نجدها محسومة لدى المسلمين وذلك بنص القرآن الكريم والسنة الصحيحة. وقد تكلمتُ عن هذا الجانب في أكثر من مقال، وذكرت أن الخصومة مع الفلسفة إنما هي في جانب حشر الفلسفة نفسَها في الغيبيات التي لا يمكن الاحتكام فيها للعقل، وقلت في مقالي (التوافق مع الفلسفة) ما نصه: «لعلنا بهكذا منهجية نؤسس لمرحلة جديدة من التوافق مع الفلسفة، بحيث يتم التعاطي معها بوصفها منهجًا يُعنى بالاستقراء والاستنتاج المفضيَيْنِ إلى نتائج محسوسة بعيدًا عن متاهات الغيبيات (الميتافيزيقيا) التي لا تعدو كونها سفسطة وهرطقة لا يعضدها دليل وليس لها نواتج ذات قيمة». وذكرت في مقالي (الفلسفة تحوِّل بوصلتها) أن «الفلسفة كثيرًا ما تشبَّثَ أتباعُها ومريدوها بالغيبيات والسفسطات، وهو الأمر الذي جعلها ترتبط بهذا المنحى عند كثير من مناوئيها»، وقلتُ «الفلسفة وفق اهتمامها بـ(فلسفة المنطق) وبُعدها عن (الغيبيات) تغدو أكثر قبولًا ومصداقية، وتجعل مناوئيها أكثر تصالحًا معها وقبولًا بها».

الأمر اللافت للانتباه في مقال أبا الخيل هو الإنصاف والموضوعية تجاه موقف ابن خلدون من الفلسفة؛ فابن خلدون كان موقفه من الفلسفة مضادًّا لها وذلك في جانب الغيبيات فقط، لذلك يؤكد كانط بحسب ما نقله عنه نورالدين السافي في كتابه (مدخل إلى العقلانية) أن «الدين وحده هو الذي يملك معرفة تامة ونهائية ويقينية عن الوجود الإلهي وخلود الروح والحرية، فمن أراد الحجة عليها فليأخذها من الوحي الإلهي»، وأجزم أن هذا الموقف هو نفسه موقف المناوئين للفلسفة في كل عصر، حتى الغزالي كانت خصومته مع الفلسفة فيما تعلق بأصول الدين، كحدوث العالم وصفات الصانع وحشر الأجساد والأبدان، ولذا أرجو أن ينظر أبا الخيل ومناصرو الفلسفة لآراء بقية المناوئين للفلسفة بهذه النظرة الموضوعية، ولو دققوا في تلك الآراء لوجدوها تتطابق مع رؤية ابن خلدون؛ فالجميع يقبل بالفلسفة حينما تنأى عن المنحى الغيبي التشكيكي وتشتغل على زيادة حالة الوعي وتوسيع مساحات التفكير وتُعنى بحل المشكلات، وتغدو سندًا قويًّا للعلم التجريبي والبحث العلمي، وبهذا فإن جدار التوجُّس والريبة المضروب بينها وبين معارضيها وخصومها حتمًا سينهار، وستغدو هدفًا نبيلًا تسعى إليه المؤسسات المختلفة وتشتغل عليه.

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!