كتاب
المعرّي والعقَّاد وأدب اللياقة (2)
تاريخ النشر: 24 مارس 2023 00:12 KSA
«شيمة واحدة في حكيم المعرّة، أخالها لو تغيّرت قليلًا لتغيّرت فلسفته من الألف إلى الياء، ولألغى كثيرًا من سقط الزند، وكثيرًا من اللزوميات، ولخرج بديوان يقرأه القارئ فلا يهجس في خاطره ذكر المعري المعهود؛ لأنّ تغيير تلك الشيمة يخرجه خَلْقًا جديدًا لا يمتّ بقرابة ذهن ولا بآصرة نسب إلى ذلك الحكيم الذي عرفناه».
هكذا قال العقاد، ومن خلال منهجه النقدي يحاول أن يقدّم لنا شخصية المعري وجوهره، بإعطائنا المفتاح الذي به نفتح مغاليق شخصيته، وفي ضوئه يصدر أحكامه الجازمة، وهذا -برأيي- عيب منهجي يعتريه التخمين أكثر ممَّا هو واقع أو حقيقة.
فالعقاد ترك الشعر والشاعر وذهب إلى حيث تلك الشيمة، والشيمة وحدها دون سواها، متحدثًا عن قيمتها في النفوس، يقول: «هذه الشيمة في الواقع وازع قوي عظيم الهيمنة على جميع النفوس، وإنْ عدَّها بعضهم ثانية أو ثالثة أو رابعة في ترتيب الزَّواجر الأخلاقية والنفعية؛ لاعتقادهم أنَّ الزَّواجر إنَّما تفعل في الطباع فعلها على مقدار ما يُحيط بها من ضجيج وطنين، أو على مقدار ما لها من أسماء وعناوين، لا على مقدار بواعثها من الطَّبع ومن قوانين الاجتماع».
والعقاد لا يكتفي بذلك؛ بل نراه يتحدّث عن أنّ المعري يقدم على محظورات دينيّة كثيرة، ما عدا تلك التي تسقطه في أعين الناس، غير حافلٍ بالعقاب أو سوء المآب، حاشا المحظور الذي يسقطه في نظر الناس ويخل بقواعد المروءة في البيئة التي هو منها، فذلك حدٌّ لا يتخطاه إلَّا وقد تخطَّى قبله جميع الحدود واجترأ على جميع المنكرات.
ومرة أخرى يجنح العقاد بعيدًا عن الشعر وعن المعري، وكأنّي به يقف موقف الواعظ، لا موقف الناقد وهو يتحدث عن ضوابط السلوك في المجتمع، قائلاً: «إن الخمر والزنا والسرقة، لفي درجة واحدة من التحريم في بعض الشرائع السماوية، ولكن الناس يجانبونها أو يستبيحونها على حسب نصيبها من الزراية في البيئات التي يعيشون فيها».
ومرة ثالثة يغيب المعري عن العقاد مسافات طويلة وهو يواصل استطراده إلى حيث السمات العربية؛ من العار، والعُرف، ومعاصي الدين؛ فالخلاعة هي غاية السّقوط عند العرب أو عند المتكلمين باللغة العربية، وإنّما الأصل في الخليع أنّه الرجل الذي يخلعه أهله ويبرأون منه، فهو من ثمّ يجلب على نفسه أكبر العار، وإن لم يقارف شيئًا من معاصي الدّين والقانون على حسب العُرف الحديث.. وإنّهم ليجدون متّسعًا من القول في كل عاصٍ، وكل جارم، وكل آثم، إلَّا الخليع فلا متّسع فيه من القول بعد الخلاعة.. وما عسى أن يقول القائل في خليع؟ تلك غاية الغايات، وقصارى الموبقات، فلا ملامة ولا عتاب.
وبعد صفحات من كتاب «رجعة أبي العلا المعري»، يحضر المعري، ليصل العقاد بعدها إلى مفتاح تلك الشخصية، فما شيمة السمت والوقار التي أبان عنها العقاد إلَّا نتيجة حتمية بدافع من أدب اللياقة، حيث لا يمنعه شرع ولا فلسفة ولا عقيدة، أليس هو القائل:
وسيَّان من أَمة حرة
حصان، ومن أَمة زانية
وللحديث تتمة،،،
هكذا قال العقاد، ومن خلال منهجه النقدي يحاول أن يقدّم لنا شخصية المعري وجوهره، بإعطائنا المفتاح الذي به نفتح مغاليق شخصيته، وفي ضوئه يصدر أحكامه الجازمة، وهذا -برأيي- عيب منهجي يعتريه التخمين أكثر ممَّا هو واقع أو حقيقة.
فالعقاد ترك الشعر والشاعر وذهب إلى حيث تلك الشيمة، والشيمة وحدها دون سواها، متحدثًا عن قيمتها في النفوس، يقول: «هذه الشيمة في الواقع وازع قوي عظيم الهيمنة على جميع النفوس، وإنْ عدَّها بعضهم ثانية أو ثالثة أو رابعة في ترتيب الزَّواجر الأخلاقية والنفعية؛ لاعتقادهم أنَّ الزَّواجر إنَّما تفعل في الطباع فعلها على مقدار ما يُحيط بها من ضجيج وطنين، أو على مقدار ما لها من أسماء وعناوين، لا على مقدار بواعثها من الطَّبع ومن قوانين الاجتماع».
والعقاد لا يكتفي بذلك؛ بل نراه يتحدّث عن أنّ المعري يقدم على محظورات دينيّة كثيرة، ما عدا تلك التي تسقطه في أعين الناس، غير حافلٍ بالعقاب أو سوء المآب، حاشا المحظور الذي يسقطه في نظر الناس ويخل بقواعد المروءة في البيئة التي هو منها، فذلك حدٌّ لا يتخطاه إلَّا وقد تخطَّى قبله جميع الحدود واجترأ على جميع المنكرات.
ومرة أخرى يجنح العقاد بعيدًا عن الشعر وعن المعري، وكأنّي به يقف موقف الواعظ، لا موقف الناقد وهو يتحدث عن ضوابط السلوك في المجتمع، قائلاً: «إن الخمر والزنا والسرقة، لفي درجة واحدة من التحريم في بعض الشرائع السماوية، ولكن الناس يجانبونها أو يستبيحونها على حسب نصيبها من الزراية في البيئات التي يعيشون فيها».
ومرة ثالثة يغيب المعري عن العقاد مسافات طويلة وهو يواصل استطراده إلى حيث السمات العربية؛ من العار، والعُرف، ومعاصي الدين؛ فالخلاعة هي غاية السّقوط عند العرب أو عند المتكلمين باللغة العربية، وإنّما الأصل في الخليع أنّه الرجل الذي يخلعه أهله ويبرأون منه، فهو من ثمّ يجلب على نفسه أكبر العار، وإن لم يقارف شيئًا من معاصي الدّين والقانون على حسب العُرف الحديث.. وإنّهم ليجدون متّسعًا من القول في كل عاصٍ، وكل جارم، وكل آثم، إلَّا الخليع فلا متّسع فيه من القول بعد الخلاعة.. وما عسى أن يقول القائل في خليع؟ تلك غاية الغايات، وقصارى الموبقات، فلا ملامة ولا عتاب.
وبعد صفحات من كتاب «رجعة أبي العلا المعري»، يحضر المعري، ليصل العقاد بعدها إلى مفتاح تلك الشخصية، فما شيمة السمت والوقار التي أبان عنها العقاد إلَّا نتيجة حتمية بدافع من أدب اللياقة، حيث لا يمنعه شرع ولا فلسفة ولا عقيدة، أليس هو القائل:
وسيَّان من أَمة حرة
حصان، ومن أَمة زانية
وللحديث تتمة،،،