ثقافة
عبدالرحمن الأنصاري وكتاب الجمل عبر العصور
تاريخ النشر: 28 مارس 2023 23:09 KSA
الفروسية تاريخها وثقافتها، هي ما قدره المولى لي؛ لأحظى من خلالها بمعرفة ذلك الإنسان العالم المؤمن برسالته الإنسانية لخدمة الإنسان. ألا وهو البروفيسور الدكتور عبدالرحمن الأنصاري -رحمه الله وأحسن منزله- وقد جمعني القدر بذلك الإنسان النبيل، ونحن نؤسس للفروسية السعودية كألعاب في العالم الفروسي الكبير. وكان التدبير الإلهي ابتدأ بالتوجيه السامي الكريم لإنشاء الاتحاد السعودي لألعاب الفروسية في آخر الثمانينيات، هو المضمار الذي جمع ندرة من أغنى العقول السعودية في علوم التاريخ والآثار والثقافة بخيرة نظرائهم من الثقافات العالمية؛ لإبراز دور الفروسية في تاريخ الإنسانية، وكان الدكتور الأنصاري على رأس الهرم لقيادتنا بتوجيهه ونصائحه وإرشاداته. بدأت القصة عام ١٩٩٠م، في اليابان عندما انضمت المملكة العربية السعودية إلى وفد الاتحاد الدولي للفروسية، وانتخبت لتترأس المجموعة السابعة، وهي أكبر مجموعة في الاتحاد المكون من عشرين دولة. وقد حضرت الأميرة آن رئيسة الاتحاد الدولي للفروسية لتهنئة وفد الاتحاد السعودي للفروسية، وتفضلت (الأميرة آن) بالنزول بعدما سمعت اللغط الدائر آنذاك، حول كيف لدولة تنضم في الصباح وتنتخب في المساء لتترأس أكبر مجموعات الاتحاد الدولي؟! وقالت الأميرة آن: المملكة العربية السعودية إضافة إيجابية للفروسية العالمية، فأنتم أصل الخيل العربية، والكثير لا يعرف أن جدكم كان آخر الفرسان الذين وحدوا بلادهم على ظهور الخيل!
كتاب الفروسية
هذه الكلمات كانت سببا للتحدي الذي أخذناه على عاتقنا لنثبت مكانتنا في عالم الفروسية العالمية، بتطوير الشقين الرياضي والثقافي وترسيخ مسيرة حضورنا العالمي. وكان كتاب (فروسية) هو أول ما جمعني بالمغفور له -بإذن الله- الدكتور عبدالرحمن الأنصاري؛ حيث كان من أهم أعضاء اللجنة الأكاديمية التي أشرفت على كتاب (فروسية) وجمعنا العمل عليه لإنهائه وإصداره ما يقارب السبع سنوات. وكانت تلك السنوات منذ عام ١٩٩٣م إلى عام ٢٠٠٠م من أجمل السنوات؛ فقد كان فيها الدكتور عبدالرحمن مناراً بعلمه وبحضوره ومشاركته الأبوية.
رائد الآثار
ولا أنسى ليلة ١٨ شوال ١٤٢١ الموافق ١٣ يناير ٢٠٠١ م، التي جمعتنا في مكتبة الملك عبدالعزيز لتدشين كتاب (فروسية) وكان هذا الرائد رائد الآثار من المملكة العربية السعودية، والجزيرة العربية، والعالم العربي، والعلم من بين المتحدثين. وقد ذكر في حديثه الخيل وأهميتها في التاريخ، إلا أن الجمال (الإبل) كانت أهم من الخيل عند الشعوب؛ لأن الخيل لا يقتنيها إلا الأثرياء، والاهتمام بها وتربيتها، وتدريبها، وفي الأمور المستعجلة، ولكنها لا تتحمل الكر والفر والإنفاق عليها يعد مكلفا. كما أن الخيل يقتصر استخدامها على معارك الكر أو صعود الجبال، أما الجمل، فهو سفينة الصحراء، وفيه من المنافع ما لا حصر لها. وطرح الدكتور الأنصاري فكرة إصدار عمل موسوعي عن الجمل عبر العصور، ولقيت هذه الفكرة استحسان الحضور من العلماء، والمهتمين بتراث الجزيرة العربية، وحضارتها. وأذكر أنني علقت في الندوة مؤيداً لمقترح الدكتور الأنصاري، وسيأتي الوقت الذي تنفذ فيه. كانت اللقاءات تتجدد مع الدكتور الأنصاري في مناسبات كثيرة، علمية، وثقافية، داخل المملكة، وخارجها، وفي كل لقاء كان محور الأحاديث هو الجمل. وكان من فضل الله -تعالى- أن تيسر لنا تنظيم رحلات متتابعة شارك فيها نخبة من الأصدقاء، تعرفنا فيها على الطبيعة الساحرة لجغرافية المملكة العربية السعودية، من جبال، وصحاري وسهول، وأودية، وشواطئ، وجزر، ووقفنا على مئات من المواقع الأثرية، والتاريخية، والمعالم التراثية.
الرسوم والنقوش
وشد انتباهنا في تلك الرحلات، آلاف الرسوم التي نقشها الإنسان عبر آلاف السنين على واجهات الصخور في الجبال، والمرتفعات الصخرية، وعلى ضفاف الأودية، والبحيرات الجافة، وكان الجمل هو الأبرز في تلك الصور المنحوتة، حيث بينت العلاقة الحميمية بين الإنسان والجمل. مرت الأيام، وبعد ما يقارب الخمس عشرة سنة أصيب الدكتور عبدالرحمن بوعكة صحية أدخل على إثرها المستشفى، وحين زرته وأنا على وشك توديعه أمسك بيدي وبصوت خافت تسرب إلى قلبي قوله: فيصل لا تنس الجمل. خرجت من غرفته وكأنه غرس خنجراً في قلبي بسبب اهتمام ذلك العالم الجليل وهو على سرير المرض بالجمل، ودوره ومكانته في حياة أهل الجزيرة العربية. خرجت من المستشفى وأول ما قمت به هو الاتصال بالسيد ديفد اليكساندرا الذي عمل معنا على كتاب الفروسية ليبدأ اتصالاته بالمتاحف العالمية وبعض العلماء المتخصصين لنحقق حلم الدكتور عبدالرحمن. أخذنا ما يقارب الخمس سنوات بالتعاون مع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لتحقيق ذلك الحلم.
لحظات مؤثرة
وبحمدالله وتوفيقه كان ذلك، ووصلتني أول نسخة في أول يوم يرفع فيه حظر التجوال خلال جائحة الكرونا، فكان أول ما قمت به هو زيارة الدكتور عبدالرحمن بمنزله لتقديم أول نسخة له، كانت لحظات مؤثرة يكسوها الحزن والفرح، حزنت لحالة الدكتور الصحية، وفرحت أن مكنني المولى من تحقيق حلم هذا الإنسان ليراه في هذا الكتاب الموسوعي (الجمل عبر العصور). وبهذه المناسبة أدعو محبي د. الأنصاري ـ يرحمه الله ـ لتشريف ليان الثقافية ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة يوم الثلاثاء ١٢/١٠/ ١٤٤٤ هـ الموافق ٢ /٥ /٢٠٢٣ ٨م الساعة 8 مساء؛ لتدشين كتاب (الجمل عبر العصور) والمعرض المصاحب له في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بمنطقة المربع في مدينة الرياض؛ تخليداً لذكرى البروفيسور الدكتور عبدالرحمن الأنصاري العطرة، تغمده المولى بواسع رحمته ورضوانه، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم عائلته وجميع محبيه الصبر والسلوان، فهو رحمه الله الإنسان، العالم، المعلم فقيد الوطن، وإنا لله وإنا إليه راجعون. م فيصل بن عبدالله
بن محمد آل سعود
كتاب الفروسية
هذه الكلمات كانت سببا للتحدي الذي أخذناه على عاتقنا لنثبت مكانتنا في عالم الفروسية العالمية، بتطوير الشقين الرياضي والثقافي وترسيخ مسيرة حضورنا العالمي. وكان كتاب (فروسية) هو أول ما جمعني بالمغفور له -بإذن الله- الدكتور عبدالرحمن الأنصاري؛ حيث كان من أهم أعضاء اللجنة الأكاديمية التي أشرفت على كتاب (فروسية) وجمعنا العمل عليه لإنهائه وإصداره ما يقارب السبع سنوات. وكانت تلك السنوات منذ عام ١٩٩٣م إلى عام ٢٠٠٠م من أجمل السنوات؛ فقد كان فيها الدكتور عبدالرحمن مناراً بعلمه وبحضوره ومشاركته الأبوية.
رائد الآثار
ولا أنسى ليلة ١٨ شوال ١٤٢١ الموافق ١٣ يناير ٢٠٠١ م، التي جمعتنا في مكتبة الملك عبدالعزيز لتدشين كتاب (فروسية) وكان هذا الرائد رائد الآثار من المملكة العربية السعودية، والجزيرة العربية، والعالم العربي، والعلم من بين المتحدثين. وقد ذكر في حديثه الخيل وأهميتها في التاريخ، إلا أن الجمال (الإبل) كانت أهم من الخيل عند الشعوب؛ لأن الخيل لا يقتنيها إلا الأثرياء، والاهتمام بها وتربيتها، وتدريبها، وفي الأمور المستعجلة، ولكنها لا تتحمل الكر والفر والإنفاق عليها يعد مكلفا. كما أن الخيل يقتصر استخدامها على معارك الكر أو صعود الجبال، أما الجمل، فهو سفينة الصحراء، وفيه من المنافع ما لا حصر لها. وطرح الدكتور الأنصاري فكرة إصدار عمل موسوعي عن الجمل عبر العصور، ولقيت هذه الفكرة استحسان الحضور من العلماء، والمهتمين بتراث الجزيرة العربية، وحضارتها. وأذكر أنني علقت في الندوة مؤيداً لمقترح الدكتور الأنصاري، وسيأتي الوقت الذي تنفذ فيه. كانت اللقاءات تتجدد مع الدكتور الأنصاري في مناسبات كثيرة، علمية، وثقافية، داخل المملكة، وخارجها، وفي كل لقاء كان محور الأحاديث هو الجمل. وكان من فضل الله -تعالى- أن تيسر لنا تنظيم رحلات متتابعة شارك فيها نخبة من الأصدقاء، تعرفنا فيها على الطبيعة الساحرة لجغرافية المملكة العربية السعودية، من جبال، وصحاري وسهول، وأودية، وشواطئ، وجزر، ووقفنا على مئات من المواقع الأثرية، والتاريخية، والمعالم التراثية.
الرسوم والنقوش
وشد انتباهنا في تلك الرحلات، آلاف الرسوم التي نقشها الإنسان عبر آلاف السنين على واجهات الصخور في الجبال، والمرتفعات الصخرية، وعلى ضفاف الأودية، والبحيرات الجافة، وكان الجمل هو الأبرز في تلك الصور المنحوتة، حيث بينت العلاقة الحميمية بين الإنسان والجمل. مرت الأيام، وبعد ما يقارب الخمس عشرة سنة أصيب الدكتور عبدالرحمن بوعكة صحية أدخل على إثرها المستشفى، وحين زرته وأنا على وشك توديعه أمسك بيدي وبصوت خافت تسرب إلى قلبي قوله: فيصل لا تنس الجمل. خرجت من غرفته وكأنه غرس خنجراً في قلبي بسبب اهتمام ذلك العالم الجليل وهو على سرير المرض بالجمل، ودوره ومكانته في حياة أهل الجزيرة العربية. خرجت من المستشفى وأول ما قمت به هو الاتصال بالسيد ديفد اليكساندرا الذي عمل معنا على كتاب الفروسية ليبدأ اتصالاته بالمتاحف العالمية وبعض العلماء المتخصصين لنحقق حلم الدكتور عبدالرحمن. أخذنا ما يقارب الخمس سنوات بالتعاون مع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لتحقيق ذلك الحلم.
لحظات مؤثرة
وبحمدالله وتوفيقه كان ذلك، ووصلتني أول نسخة في أول يوم يرفع فيه حظر التجوال خلال جائحة الكرونا، فكان أول ما قمت به هو زيارة الدكتور عبدالرحمن بمنزله لتقديم أول نسخة له، كانت لحظات مؤثرة يكسوها الحزن والفرح، حزنت لحالة الدكتور الصحية، وفرحت أن مكنني المولى من تحقيق حلم هذا الإنسان ليراه في هذا الكتاب الموسوعي (الجمل عبر العصور). وبهذه المناسبة أدعو محبي د. الأنصاري ـ يرحمه الله ـ لتشريف ليان الثقافية ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة يوم الثلاثاء ١٢/١٠/ ١٤٤٤ هـ الموافق ٢ /٥ /٢٠٢٣ ٨م الساعة 8 مساء؛ لتدشين كتاب (الجمل عبر العصور) والمعرض المصاحب له في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بمنطقة المربع في مدينة الرياض؛ تخليداً لذكرى البروفيسور الدكتور عبدالرحمن الأنصاري العطرة، تغمده المولى بواسع رحمته ورضوانه، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم عائلته وجميع محبيه الصبر والسلوان، فهو رحمه الله الإنسان، العالم، المعلم فقيد الوطن، وإنا لله وإنا إليه راجعون. م فيصل بن عبدالله
بن محمد آل سعود