كتاب
لماذا يتزايد تأثير التافهين؟!
تاريخ النشر: 11 أبريل 2023 23:25 KSA
قبل بداية مباراة ربع نهائي كأس العالم ١٩٧٠ بين البرازيل وبيرو، وبينما كان الجميع ينتظر ركلة البداية، طلب نجم الكرة العالمي (بيليه) من حكم المباراة؛ منحه بعض الوقت ليربط حذاءه - أجلّكم الله - وأمام كاميرات التلفزيون (كانت أول بطولة تُنقل عبر التلفزيون في التاريخ)، وعدسات مصوري الصحف ووكالات الأنباء، انحنى (بيليه) على حذائه لمدة نصف دقيقة تقريبًا كانت كافية لسكب ذلك المشهد بكل تفاصيله في عقول ملايين المشاهدين حول العالم!.
لم يدر بخلد أحد حينها أن (ملك الكرة) كان يُقدِّم إعلاناً مدفوعاً للشركة التي صنعت ذلك الحذاء، لكن الإعلان الذي لم ينتبه له إلا القليل جداً من الناس، قلب الموازين، واعتبره بعض الخبراء أعظم إعلان في تاريخ كرة القدم، ليس فقط لقيمته المالية التي تجاوزت 15 ألف دولار، وهو مبلغ خرافي في ذلك الوقت، ولكن للتأثير العظيم الذي تركه، فقد رفع مبيعات الشركة بأكثر من ٩٠٠٪، ووضعها في الصدارة.
الإعلان غير المباشر أكثر تأثيرًا وثباتاً في العقول من الإعلانات السطحية المباشرة التي تزول بنفس السرعة التي تظهر بها، ولأن الجمهور لا يلتفت في العادة للإعلانات المباشرة والساذجة، ويقفز عليها غالبًا، تتحايل بعض الشركات والمنظمات للترويج لأنفسها من خلال إعلانات غريبة وغير تقليدية، ومبهمة أحياناً، أقرب إلى الأدلجة والبرمجة العقلية منها إلى الإعلانات.
يحدث هذا حتى على مستوى الحكومات، فجزء مهم من أسباب الهيمنة الأمريكية على العالم يعود لأفلام (هوليود)، التي كانت تبث طوال الوقت إعلانات تبرز الأمريكي كـ (سوبرمان) لا يمكن هزيمته.. ظهر هذا بشكل جليّ خلال سنوات الحرب الباردة في الستينيات والسبعينيات، فعلى الرغم من انكسار الأمريكيين في مناطق كثيرة من العالم، مثل فيتنام وكوريا الشمالية وخليج الخنازير وغيرها، إلّا أن السينما الأمريكية كانت تجبر تلك الكسور، وترسم في وجدان الناس وعقولهم صورة مغايرة للأمريكي الخارق الذي يحبه الجميع، بينما تصوّر بالمقابل المعسكر الآخر من روس وعرب وأفارقة وغيرهم كوحوش جاهلة وغبية، لا تقيم للأخلاق ولا للمبادئ وزناً.
الخطير في الأمر، وما أود لفت أنظاركم إليه اليوم، هو أن معظم ما تلقيه وسائل التواصل وأدوات التفاهة في وجدان متابعيها من محتويات، هو من النوع الثاني (غير المباشر)، لذلك يؤثر في كل شرائح المجتمع؛ وإن كان بتفاوت، وربما كان هذا سبب تسميتهم بالمؤثرين، وهي تسمية صحيحة في رأيي، خصوصًا إن اتفقنا على أن مكائن التأثير التي يعملون من خلالها يصعب ضبطها أو حوكمتها. ولا يقلل من خطورة هذه (البرمجة) ما يقابل به محتواهم من سخطٍ وإنكار وعدم رضا، فاعتمادهم على الإثارة ومخالفة السائد، تضمن جاذبية محتواهم وتزايد متابعيه.
العجيب أننا نساهم في رفع نسبة تأثير هذه الفيضانات المتدفقة من المحتويات الرديئة، من خلال مقاومتنا لها بأسلوب وعظي سطحي قديم، سواء في المؤسسة التعليمية أو الثقافية أو حتى الدينية، فكأننا كمَن يُقابل الصواريخ والطائرات الحديثة بالسيوف والخيول والبغال!، أو كأننا نروّج لهم بإعادة البث وتكرار محتوياتهم. ثم يأتي بعد كل هذا من يتساءل بسذاجة: لماذا تزداد شعبية التافهين، ولماذا يزداد تأثيرهم؟!.
يبدو أننا بحاجة بالفعل لخبراء إعلانات وتسويق ماهرون للترويج لقيم الحق والخير والجمال، في مواجهة طغيان التفاهة والشذوذ والقبح التي تكاد تُغرق العالم.
لم يدر بخلد أحد حينها أن (ملك الكرة) كان يُقدِّم إعلاناً مدفوعاً للشركة التي صنعت ذلك الحذاء، لكن الإعلان الذي لم ينتبه له إلا القليل جداً من الناس، قلب الموازين، واعتبره بعض الخبراء أعظم إعلان في تاريخ كرة القدم، ليس فقط لقيمته المالية التي تجاوزت 15 ألف دولار، وهو مبلغ خرافي في ذلك الوقت، ولكن للتأثير العظيم الذي تركه، فقد رفع مبيعات الشركة بأكثر من ٩٠٠٪، ووضعها في الصدارة.
الإعلان غير المباشر أكثر تأثيرًا وثباتاً في العقول من الإعلانات السطحية المباشرة التي تزول بنفس السرعة التي تظهر بها، ولأن الجمهور لا يلتفت في العادة للإعلانات المباشرة والساذجة، ويقفز عليها غالبًا، تتحايل بعض الشركات والمنظمات للترويج لأنفسها من خلال إعلانات غريبة وغير تقليدية، ومبهمة أحياناً، أقرب إلى الأدلجة والبرمجة العقلية منها إلى الإعلانات.
يحدث هذا حتى على مستوى الحكومات، فجزء مهم من أسباب الهيمنة الأمريكية على العالم يعود لأفلام (هوليود)، التي كانت تبث طوال الوقت إعلانات تبرز الأمريكي كـ (سوبرمان) لا يمكن هزيمته.. ظهر هذا بشكل جليّ خلال سنوات الحرب الباردة في الستينيات والسبعينيات، فعلى الرغم من انكسار الأمريكيين في مناطق كثيرة من العالم، مثل فيتنام وكوريا الشمالية وخليج الخنازير وغيرها، إلّا أن السينما الأمريكية كانت تجبر تلك الكسور، وترسم في وجدان الناس وعقولهم صورة مغايرة للأمريكي الخارق الذي يحبه الجميع، بينما تصوّر بالمقابل المعسكر الآخر من روس وعرب وأفارقة وغيرهم كوحوش جاهلة وغبية، لا تقيم للأخلاق ولا للمبادئ وزناً.
الخطير في الأمر، وما أود لفت أنظاركم إليه اليوم، هو أن معظم ما تلقيه وسائل التواصل وأدوات التفاهة في وجدان متابعيها من محتويات، هو من النوع الثاني (غير المباشر)، لذلك يؤثر في كل شرائح المجتمع؛ وإن كان بتفاوت، وربما كان هذا سبب تسميتهم بالمؤثرين، وهي تسمية صحيحة في رأيي، خصوصًا إن اتفقنا على أن مكائن التأثير التي يعملون من خلالها يصعب ضبطها أو حوكمتها. ولا يقلل من خطورة هذه (البرمجة) ما يقابل به محتواهم من سخطٍ وإنكار وعدم رضا، فاعتمادهم على الإثارة ومخالفة السائد، تضمن جاذبية محتواهم وتزايد متابعيه.
العجيب أننا نساهم في رفع نسبة تأثير هذه الفيضانات المتدفقة من المحتويات الرديئة، من خلال مقاومتنا لها بأسلوب وعظي سطحي قديم، سواء في المؤسسة التعليمية أو الثقافية أو حتى الدينية، فكأننا كمَن يُقابل الصواريخ والطائرات الحديثة بالسيوف والخيول والبغال!، أو كأننا نروّج لهم بإعادة البث وتكرار محتوياتهم. ثم يأتي بعد كل هذا من يتساءل بسذاجة: لماذا تزداد شعبية التافهين، ولماذا يزداد تأثيرهم؟!.
يبدو أننا بحاجة بالفعل لخبراء إعلانات وتسويق ماهرون للترويج لقيم الحق والخير والجمال، في مواجهة طغيان التفاهة والشذوذ والقبح التي تكاد تُغرق العالم.