كتاب

التربية في الفضاء المفتوح

الشارع هو الفضاء الواسع الذي يقبل عليه الطفل لقضاء أوقات من المتعة مع الأقران والأصحاب.. ومعروف أن الشارع يمثل مدرسة كبرى لا يستطيع أحد مهما أُوتيَ من قوة أن يتحكم فيها أو يضع ضوابط لها، فهي مكان تلاقح مختلف التجارب والمواقف وأشكال التربية المتعددة، لذلك يمكن أن تكون بيئة صالحة يستفيد منها الطفل أو مكانًا يعود عليه بالضرر؛ لأن الطفل يمكن أن يتعلم فيه الكثير من الأمور الإيجابية والسلبية.

يقول المؤلف الأمريكي توم بوديت: «الفرق بين المدرسة والحياة... أننا في المدرسة نتعلم الدروس أولاً ثم نمتحن.. لكن، في الحياة نمتحن أولاً ثم نتعلم الدروس».


شخصياً مررت بهذه التجربة وكانت إيجابية في كثير من جوانبها على الرغم من بعض قساوتها.. كان التَّرابطُ على مستوى الحيِّ قويًّا جداً، ففي الأفراح والمآتم يقفُ أهل الحي وقفة صدقٍ مع صاحب المناسبة، وأكثر من هذا أن كُلَّ واحدٍ من أهل الحيِّ يشعرُ بمسؤوليته عن الجميع! فحين يقفُ الجارُ على سلوكٍ خاطئٍ لابن جارِهِ فإنه يباشرُ تأديبه وكأنه ولده، والابن يعلمُ أن كل (كبير) في الحي هو بمثابة والده.

من أساتذتي في الشارع والذين كان لهم الفضل بعد والدي -رحمه الله- ووالدتي الحبيبة اطال الله في عمرها في تربيتي؛ أذكر منهم: المعلم عبدالقادر عابد، مقاول بناء كان صديقًا مقربًا من الوالد -رحمهم الله جميعاً-، كان لي بمثابة الأب الحريص والحنون، لا يزال في الذاكرة وأنا في طريقي إلى المدرسة الناصرية الابتدائية عندما كان يكيل لي المدح قائلاً خليك رجال.. وفي الذاكرة أيضاً، كان الوالد -رحمه الله- كما أغلب الآباء في تلك الحقبة الزمنية لا يسمحون لأبنائهم بالبقاء خارج المنزل بعد صلاة العشاء، وفي إحدى المرات كنت أمام منزلنا، وإذا بالعم عبدالقادر وهو في طريقه لمنزله بعد أدائه صلاة العشاء في الحرم المكي الشريف يقف أمامي ويطلب مني بحزم أن أذهب الى المنزل وعدم تكرار ذلك مرة أخرى.


ومنهم، العم جمال برنجي -رحمه الله-، كان صديقًا للوالد -رحمه الله- كبيراً في السن ولديه محل صغير لبيع المواد الغذائية بجانب مقهى الوالد في شارع إبراهيم الخليل.. على درجة عالية من الثقافة يحب الشعر والأدب والثقافة، كان جل أصدقائه من المثقفين.. وكانوا يجتمعون في حلقة أمام دكانه -في الفترة بين صلاتي المغرب والعشاء- كنت أستمتع بالاستماع لهم وهم يتناولون موضوعات ثقافية وأدبية، لا أبالغ إذا قلت إن مجلس العم جمال كان السبب الأول لحبي للقراءة والكتابة.

كذلك الأستاذ يوسف بكر سادة -رحمه الله- أستاذ متمكن في اللغة العربية على الرغم من كونه كفيفًا، كان يقوم بتدريس اللغة العربية في مدارس البنات.. كان يحب الأدب والثقافة، كنت وبعض الزملاء من وقت لآخر نقوم بزيارته لاستعارة بعض الكتب من مكتبته في منزله.

كان لديه اشتراك شهري في مجلة العربي الكويتية ورئيس تحريرها الكيميائي المصري الدكتور أحمد زكي في فترة التسعينات الهجرية.. كنت مع مجموعة من الأصدقاء ونحن في بداية المرحلة الثانوية في أثناء العطلة المدرسية نجتمع أمام داره بدحلة الرشد في المسفلة، وكان يقوم بإعارة المجلة لنا بالتناوب.

هذه مجموعة ممن تتلمذت على أيديهم رحمهم الله رحمة واسعة.

أخبار ذات صلة

غياب (الخميس)!!
كادر المهندسين المتقاعدين
ابحث عن المعنى
الرياض.. ملتقى أبناء وبنات الوطن
;
الرياض عاصمة الإلهام والتأثير
الخلفية التعليمية لكبار الأثرياء في العالم
«إلا المصلين» و«ويل للمصلين»
اللغة الشاعرة
;
مؤتمر الأردن.. دعماً لوحدة سوريا ومستقبلها
الجهات التنظيمية.. تدفع عجلة التنمية
الاستثمار في مدارس الحي
معرض جدة للكتاب.. حلَّة جديدة
;
«حركية الحرمين».. إخلاص وبرامج نوعية
دموع النهرين...!!
الجمال الهائل في #سياحة_حائل
عقيقة الكامخ في يوم العربيَّة