كتاب

عبدالمحسن القحطاني: بدويٌّ لم تخذله أحلامه (2)

هناك.. في ذلك المكان المحمول على التّواضع والبساطة الباحث عن الكلأ والماء والبيئة البِكر التي لا تعرف صخب المدينة، وُلد عبدالمحسن القحطانى، وكانت البداية التي قال عنها: «وُلدت ومعي توأم، هذه التّوأم كانت أسبق مني إلى الحياة، وأفتح لونًا وأكثر وزنًا».

ينقل القحطاني، كما يرويها له الرَّاوون، تفاصيل تلك الساعة من المقرّبين منه: «يُقال إنّني وُلدت بعد فترة قليلة، وكنت أقلّ في الحجم والوزن والبنية، ظللتُ -حسبما قال أهلي- خمسة أشهر فتوفّيت أمي، وتوفّيت خالتي، ثمّ توفّيت عمّتي في مكان واحد، وأظنّ أنّ ذلك كان بسبب داء الطّاعون الذي استشرى وقتذاك، وأظنّ أنّ ذلك كان بسبب بقايا الحرب العالمية الثانية، أمّا والدي في ذلك الوقت فقد ذهب إلى (الأحساء) مشيًا على الأقدام؛ ليجلب كساءً وتمرًا وغذاءً على راحلته».


ثمّ يواصل القحطاني حديثه: «بعد وفاة أمي وخالتي وعمتي بقينا أيتامًا لا نجد من يرعانا، وكان والدي في رحلة تستغرق منه ثلاثة أشهر ذهابًا وإيابًا إلى حيث التّسوق والتّبضع، أمّا عمّى -وكان عمره خمسة وعشرين عامًا- فقد كان شابًّا تصادميًّا يتعارك مع شعراء القبيلة وينال منهم، إنّه شاب عجز عن ترويض نفسه وكبح جماح هجومها الدّائم، فكيف له إذن، أن يروِّض أطفالًا صغارًا يحتاجون إلى الرّعاية والاهتمام والصّبر والمداراة، مع ذلك أخذني وإخوتي يرضعنا ممّا يحلبه من ضرع الأغنام والماعز حتى جفَّت الضُّروع، فأصبح يطعمنا ممّا تجود به الدّار من الغذاء فتعودت المعدة، وتروّضت الأحشاء قبل أوانها على هضم ذلك الأكل وهي على مضض».

وبعد ثلاثة أشهر يعود والد القحطاني فكانت المفاجأة، فالزوجة ماتت، والأخت ماتت، وخالة أبنائه وبناته ماتت، فلم يستطع البقاء يومًا واحدًا في ذلك المكان المسكون بالموت والألم، والذكريات الموجعة.


يقول القحطاني: «أخذنا الوالد إلى قرية تبعد عنا 250 كيلومترًا وتحوّلت فيما بعد إلى قرية تُسمّى رويضة العرض؛ ولكنني أعرف أنّنا جئنا جميعًا للرياض..

حملتني راحلة ونحن نمتطي ظهور الإبل والجِمال، وسيارة قديمة متهالكة يطلقون عليها مُسمّى (قلاَّب)». ويعترف القحطاني بأنّ ما اصطلح على تسميته بـ(المطوِّع) كان سببًا في تأسيس حبّ المعرفة لديه قبل أن يدخل المدرسة ويلتحق بالتعليم النظامي. ويصف القحطاني حياة تلك الانتقاليّة وما يعتورها من تحولات بالقول: «كان المطوِّع يُدرّسنا القرآن، وكنت أصغر الطَّلاب، فبعد أن انتقلنا إلى الرياض أقمنا في أطرافها، فوالدي بنى غرفة صغيرة، ووضع برميل زيت كبابٍ لها..

ثمّ وضع أمام الغرفة خشبًا وضع عليه بيت الشّعر.. لقد أصبح هذا البيت يظلّنا ونضع فوقه ما نريد أن نشمِّسه سواء كان غذاءً أو فاكهةً أو خضارًا.. سكنَّا في تلك الغرفة، وتعوّدتُ على أجوائها وأجواء المكان حتى أصبحت مع مرور الأيام ألعب وأعي ما حواليّ، ثمّ جاءت مرحلة أخرى حيث الذّهاب إلى (المطوِّع)، الذي علَّمني القاعدة البغداديّة وتهجئة القرآن الكريم مقابل ريالين في الشهر يقدّمهما والدي إليه».

(بعد صياغتها؛ هذه سيرة مستقاة مشافهة من فم الضّيف، سُجِّلت صباح يوم الخميس 20/ 12/ 1432هـ).

يتبع،،،

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!