كتاب
سافر.. أنت لست شجرة!!
تاريخ النشر: 11 يوليو 2023 22:58 KSA
كان مستلقياً على كنبة الصالة، فرحاً بنجاح الأولاد، يقلب الريموت كنترول، حتى استقر على محطة (يوتيوبر)، يعرض برنامجاً سياحياً، فشدته الأجواء الخيالية والمناظر الخلابة، والإقبال الشديد على منطقة عسير، خاصة وأنه لم يصيف منذ زمن بمسقط رأسه مدينة الباحة، المهم أن المشهور (لعب بإعداداته)، حين أشعل حماسه بمقولة: (سافِر.. أنتَ لست شجرة)، ما دفعه لتعديل جلسته، وقطع عهد على نفسه بقضاء إجازة عيد الأضحى فيها.
من شدة حماسه، صحى أسرته مع خيوط الفجر الأولى، صلوا، ثم حزموا حقائبهم، واستقلوا جمس العائلة، سالكين (طريق الساحل)، الذي اختاروه مساراً لرحلة سياحتهم الداخلية -من جدة لأبها- بعد أن عاينوا بالخريطة واليوتيوب؛ مسافته، تضاريسه، أحواله.
لقد جنب نفسه وعائلته كارثة تعطل المركبة، حين عبأها بنزين وغيَّر زيتها، حيث تفاجأوا بداية طريق الساحل بتشميع المحطة، كان الخط مستقيماً، طويلاً، شبه خالٍ، ومملاً للغاية، وكانت تنعدم فيه الرؤية أحياناً بفعل (السافي)، ومهما بلغت سرعته، يشعر وكأنه يمشي بمحله على (جهاز سير آلي)!!
أخيراً وجدوا محطة وكشك قهوة قبل (الليث) ومع أنه حاول إيهامهم بأنها مقفلة ترشيداً للمصاريف لكنهم فطنوا للعبته الماكرة، ليتسابقوا على الطلبات؛ اكسبرسو، كبتشينو، دونات، كرسون، آيس وايت موكا، أيس شوكلت، ما جعل الرعاش يصيب يده ووجنته، ومع أنهم شارفوا بعدها على عدة قرى ومدن ساحلية، كالمظيلف، القنفذة، القوز، عمق، البرك، القحمة، الدرب، إلا أن هويتها باهتة؛ هِجر موحشة، شواطئ مهجورة، مبانٍ شاحبة!!
بعد 800 كيلو متر، و8 ساعات، وبعد أن تملكهم الإعياء والملل قرأوا لوحة (عقبة ضلع)، لقد نطقوا الشهادة من هول الفاجعة، فمع أن الخط «مسارين» ليس مزدوجاً، إلا أن السيارات كانت تسير بسرعة جنونية، وكأنهم بمضمار سباق (فورميلا 1)، ولن ينسى ما حيي هلع أحد أبنائه، وهو يضع يده على عينيه مردداً بكل خوف؛ «أنا حاس أنه بيصير حاجة»!!
مجرد ما وصلوا أعلى العقبة، ارتدت أرواحهم وتنفسوا الصعداء، وقد أطلت عليهم (أبها.. البهية)، كعروسة بدوية تأنقت ليلة زفافها، ما كل هذا الجمال الساحر، شوارع رئيسية عريضة ونظيفة، صروح شاهقة للمرافق الحكومية والخاصة، أسواق، مطاعم شهية، مقاهي وكافيهات عالمية، حدائق ومنتجعات خيالية، لقد بدت مع (خميس مشيط) كضواحٍ أوروبية تزخر بالمعالم الحضارية!!
لكن الحلو ما يكمل، ففوق غلاء أجرة الفندق والمعيشة، صحي الساعة 4 فجراً على رسائل (ساهر): رصد مخالفات سرعة بطريق الساحل، لقد نكدت عليه السفرية، خلاف أنه حامل هم رحلة العودة، حتى اختار على مضض الطريق السياحي، والذي بدد خوفه وعكس كل توقعاته، إنه شرفة من شرفات الجنة، حيث لا تنقطع بك المروج الخضراء والأراضي الزراعية، ولا تفارقك القرى والمدن الساحرة؛ بلحمر، بلسمر، تنومة، النماص، سبت العلايا، البشائر، بلجرشي، مروراً بالباحة مهبط الغيوم والضباب والمناظر الطبيعية.
لقد استمتع وعائلته بالسياحة الداخلية، بعد أن نجح بكتم غيظه تجاه تلك العيوب المتراكمة؛ ازدحام السيارات المتوافدة، إيجارات الفنادق المرتفعة، القسائم المرورية المترصدة، والتي إن لم تعالج فسينصرف الناس عنها للسياحة الخارجية، خاصة بتنويع ورقابة نجوم الفنادق، وخلق سكك حديدية بين المناطق، وتخصيص مواقف سيارات مع تسيير باصات بين المرافق.
صبيحة اليوم التالي لوصوله، استلقى على كنبة الصالة يقلب مقاطع رحلته، لتأتيه زوجته ممازحة؛ «سافِر.. أنتَ لست شجرة»، لترده بتلك الأثناء رسالة (ساهر)؛ قيد مخالفة عدم الالتزام بالمسار، لينفجر غاضباً «إن الله يكوني شجرة السرو الصناعية (لا آكل ولا أشرب)، وألا يكوني شجرة الليلك العطرية (لا أروح ولا أجي قدام العمارة)، وألا يكوني شجرة اللوز البجلي (يجلدوني بعصى المجناة حتى أتفصخ)، ولا أفكر مرة ثانية بالسياحة الداخلية»!!
من شدة حماسه، صحى أسرته مع خيوط الفجر الأولى، صلوا، ثم حزموا حقائبهم، واستقلوا جمس العائلة، سالكين (طريق الساحل)، الذي اختاروه مساراً لرحلة سياحتهم الداخلية -من جدة لأبها- بعد أن عاينوا بالخريطة واليوتيوب؛ مسافته، تضاريسه، أحواله.
لقد جنب نفسه وعائلته كارثة تعطل المركبة، حين عبأها بنزين وغيَّر زيتها، حيث تفاجأوا بداية طريق الساحل بتشميع المحطة، كان الخط مستقيماً، طويلاً، شبه خالٍ، ومملاً للغاية، وكانت تنعدم فيه الرؤية أحياناً بفعل (السافي)، ومهما بلغت سرعته، يشعر وكأنه يمشي بمحله على (جهاز سير آلي)!!
أخيراً وجدوا محطة وكشك قهوة قبل (الليث) ومع أنه حاول إيهامهم بأنها مقفلة ترشيداً للمصاريف لكنهم فطنوا للعبته الماكرة، ليتسابقوا على الطلبات؛ اكسبرسو، كبتشينو، دونات، كرسون، آيس وايت موكا، أيس شوكلت، ما جعل الرعاش يصيب يده ووجنته، ومع أنهم شارفوا بعدها على عدة قرى ومدن ساحلية، كالمظيلف، القنفذة، القوز، عمق، البرك، القحمة، الدرب، إلا أن هويتها باهتة؛ هِجر موحشة، شواطئ مهجورة، مبانٍ شاحبة!!
بعد 800 كيلو متر، و8 ساعات، وبعد أن تملكهم الإعياء والملل قرأوا لوحة (عقبة ضلع)، لقد نطقوا الشهادة من هول الفاجعة، فمع أن الخط «مسارين» ليس مزدوجاً، إلا أن السيارات كانت تسير بسرعة جنونية، وكأنهم بمضمار سباق (فورميلا 1)، ولن ينسى ما حيي هلع أحد أبنائه، وهو يضع يده على عينيه مردداً بكل خوف؛ «أنا حاس أنه بيصير حاجة»!!
مجرد ما وصلوا أعلى العقبة، ارتدت أرواحهم وتنفسوا الصعداء، وقد أطلت عليهم (أبها.. البهية)، كعروسة بدوية تأنقت ليلة زفافها، ما كل هذا الجمال الساحر، شوارع رئيسية عريضة ونظيفة، صروح شاهقة للمرافق الحكومية والخاصة، أسواق، مطاعم شهية، مقاهي وكافيهات عالمية، حدائق ومنتجعات خيالية، لقد بدت مع (خميس مشيط) كضواحٍ أوروبية تزخر بالمعالم الحضارية!!
لكن الحلو ما يكمل، ففوق غلاء أجرة الفندق والمعيشة، صحي الساعة 4 فجراً على رسائل (ساهر): رصد مخالفات سرعة بطريق الساحل، لقد نكدت عليه السفرية، خلاف أنه حامل هم رحلة العودة، حتى اختار على مضض الطريق السياحي، والذي بدد خوفه وعكس كل توقعاته، إنه شرفة من شرفات الجنة، حيث لا تنقطع بك المروج الخضراء والأراضي الزراعية، ولا تفارقك القرى والمدن الساحرة؛ بلحمر، بلسمر، تنومة، النماص، سبت العلايا، البشائر، بلجرشي، مروراً بالباحة مهبط الغيوم والضباب والمناظر الطبيعية.
لقد استمتع وعائلته بالسياحة الداخلية، بعد أن نجح بكتم غيظه تجاه تلك العيوب المتراكمة؛ ازدحام السيارات المتوافدة، إيجارات الفنادق المرتفعة، القسائم المرورية المترصدة، والتي إن لم تعالج فسينصرف الناس عنها للسياحة الخارجية، خاصة بتنويع ورقابة نجوم الفنادق، وخلق سكك حديدية بين المناطق، وتخصيص مواقف سيارات مع تسيير باصات بين المرافق.
صبيحة اليوم التالي لوصوله، استلقى على كنبة الصالة يقلب مقاطع رحلته، لتأتيه زوجته ممازحة؛ «سافِر.. أنتَ لست شجرة»، لترده بتلك الأثناء رسالة (ساهر)؛ قيد مخالفة عدم الالتزام بالمسار، لينفجر غاضباً «إن الله يكوني شجرة السرو الصناعية (لا آكل ولا أشرب)، وألا يكوني شجرة الليلك العطرية (لا أروح ولا أجي قدام العمارة)، وألا يكوني شجرة اللوز البجلي (يجلدوني بعصى المجناة حتى أتفصخ)، ولا أفكر مرة ثانية بالسياحة الداخلية»!!