كتاب
الفنون الشعبية في المنطقة الشرقية ورؤية 2030
تاريخ النشر: 06 سبتمبر 2023 22:57 KSA
حرصت رؤية المملكة 2030 على الحفاظ على الفنون الشعبية في جميع مناطق المملكة وإحيائها ونشرها.. فالمنطقة الشرقية بإطلالتها على الخليج العربي، كان من الطبيعي أن تشارك بلدان الخليج في خصائص البيئة البحرية، حيث كان للبحر دور مهم في تكييف حياة الناس أخذًا وعطاءً، فأضفى بعض الملامح على طباع وأمزجة وتفكير وأخلاق أبنائها، كما كان للزراعة دور مماثل في كل من الأحساء والقطيف.
وقد تنوعت الأغاني الشعبية في المنطقة، فشملت نواحي مختلفة في مقدمتها أغاني العمل البحري، وقبل الحديث عنها، من الأهمية بيان الحياة على ظهر سفينة الغوص التي تمخّض منها هذا الفن الأصيل، وصوّر لنا الأستاذ فالح حنظل معاناة البحارة في أدق صورة وأبلغ بيان، فقال: «فعالم الغوص كان عالم الألم والأمل بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى. الألم الجسمي، والألم النفسي، فالإنسان المختص يعمل على سفينة الغوص لمدة ثلاثة شهور أو أربعة في موسم الحر الخانق في الخليج العربي، منذ صلاة الفجر حتى صلاة المغرب تحت أشعة الشمس اللاهبة، وعلى ظهر سفينة تعج بالبشر، ففيها ما يقارب المائة رجل مكدسين على ظهرها، وجوههم مشدودة، وأيديهم وأرجلهم متقرحة من الصخور المتكسرة، أو الشعاب المرجانية ذات الرؤوس الحادة، والشمس قد شوت جلودهم، والمعدة خاوية إلا من بعض تمرات، والماء يعطى لهم (بالكبعتة)، وهو لا يكاد يكفي لإرواء طفل، ولكن واحدهم كالطود الشامخ لا يعبأ بشيء».
ثم يصف لنا كيف يقضون ليلهم فيقول: «وبعد صلاة المغرب، يقدم لهم الطعام الوحيد المتيسر وهو الأرز والسمك، وبعدها القهوة. ولا عجب أن ترى في مؤخرة كل مركب غواصاً مريضاً يشكو من مرض الإسقربوط. فإذا صلوا العشاء نام الجميع نومًا عميقًا.. ولكن أين؟ على فراش هزيل مكون من بساط خفيف ملقى على المحار.. ولم تخل رحلة الغوص من المخاطر، فقد تغرق السفينة بأكملها وقد تتعرض لهجمات بعض القبائل. وفي الكويت كانوا يؤرخون الحوادث، بسنة غرق بعض السفن الكبيرة مثل سفن السفر والنقل البحري. ويطلق الكويتيون كلمة (الطبعة) على الغرق.
لقد أوجد الغوص نظامًا اجتماعيًا موحدًا في الخليج العربي، فطبيعة العمل البدني المتشابه، ونمط كسب القوت المتشابه، قد وطدا هذه الوحدة الفكرية من جوانب عديدة.
وقد توحدت أهازيج البحر في الخليج مثل (الهولو) و(البرخة) و(اليامال) وصوت (النهام)، وهو المطرب البحري.. وكان مما يقوله وهو يودع الأهل المكلومين على الساحل: ودعتكم بالسلامة يا ضوى عيني.. بفراقكم ما غمض جفني على عيني.. واعدتني بالوعد لما تحقت عيني.. ظليت يا سيدي جسم بليا روح.. وعند رفع شراع السفينة استعدادًا للإبحار يبدأ النهام في ترديد: يا الله، يا الله يا الله شلنا وتوكلنا على الله، هولو.. يا سيدي هولو.. يا فزعة الله على ماليه.. نويت السفر سافر توكل على الله.. وعندما ترفع المرساة يردد البحارة ما يسمى بالجريحة، وهي نوع من التواشيح وتبدأ بقول النهام: يالله بدينا يالله صباح مبارك.. زيت يا من له الملك.. كريم تعلم بحالي.. علمك في سود الليالي.. ربي عليك اتكالي.. بشكي لك عما جرى لي.. مسكين أنا مسكين.. وعندما تقف السفينة على فصاص اللؤلؤ (الهير) يغني النهام: دار نزلنا وابرك دار.. على الهير والمحار.. وعند طي الشراع يأخذ البحارة في غناء ما يسمى (بالهولو) ويقولون فيه: هولو بين المنازل.. أي والله أسمر سباني.. هولو حلو الشمايل.. أي والله زين المعاني.. وهذه الأهازيج تعبر عن أحاسيس البحار، كما تبين لنا مدى حزنه وآلامه على فراق الأهل، ولكنه في نفس الوقت مؤمن إيمانًا قويًا بالله، متوكل عليه، وإيمانه هو البلسم الذي يخفف آلامه.
كما تتميز المنطقة الشرقية بفنونها الشعبية العريقة الأخرى، منها دق الحب والحصاد والليوة والغريسة والصوت الشعبي، والفجري وهو أحد الفنون البحرية الجماعية المشهورة. وينقسم إلى عدة أشكال هي:
الفجري البحري، الحدادي، الحساوي المخلوفي أو المخلوف، الحجازي، العدساني، وجميعها تقوم غالبًا على الموال الزهيري، وتستخدم معها الطبول والطارات والمراويس، وتؤدى جلوسًا ووقوفًا، وهذه الألوان الشعبية العريقة مستمدة من البيئة وتحاكي الأمواج في البحر.
كما أن العاشوري أحد الفنون الشعبية التي عُرفت في الماضي، وقد اختلف النقاد ومتابعو الفنون الشعبية في أصل هذا اللون الغنائي الشعبي ومرجعيته؛ باعتباره فكلورًا شعبيًا خالصًا. وقد أرجعه البعض إلى أنّه فلكلور شعبي معروف في منطقة الأحساء، إلّا أنّ البعض نسبه إلى البحارة، حيث يرددون هذا اللون خلال رحلتهم إلى الغوص، والفن العاشوري أحد الفنون التي تقدم في مناسبات الأعراس، وقد اشتهر بأداء هذا اللون؛ النساء أكثر من الرجال.. ومع مرور الوقت أخذ الفن العاشوري يتغير، وأصبح كل بلد من دول الخليج العربي يتغنى به بطريقته الخاصة، حيث يقدم من خلاله عدد من القصائد الخاصة والمشهورة.
وقد تنوعت الأغاني الشعبية في المنطقة، فشملت نواحي مختلفة في مقدمتها أغاني العمل البحري، وقبل الحديث عنها، من الأهمية بيان الحياة على ظهر سفينة الغوص التي تمخّض منها هذا الفن الأصيل، وصوّر لنا الأستاذ فالح حنظل معاناة البحارة في أدق صورة وأبلغ بيان، فقال: «فعالم الغوص كان عالم الألم والأمل بكل ما تحويه هذه الكلمة من معنى. الألم الجسمي، والألم النفسي، فالإنسان المختص يعمل على سفينة الغوص لمدة ثلاثة شهور أو أربعة في موسم الحر الخانق في الخليج العربي، منذ صلاة الفجر حتى صلاة المغرب تحت أشعة الشمس اللاهبة، وعلى ظهر سفينة تعج بالبشر، ففيها ما يقارب المائة رجل مكدسين على ظهرها، وجوههم مشدودة، وأيديهم وأرجلهم متقرحة من الصخور المتكسرة، أو الشعاب المرجانية ذات الرؤوس الحادة، والشمس قد شوت جلودهم، والمعدة خاوية إلا من بعض تمرات، والماء يعطى لهم (بالكبعتة)، وهو لا يكاد يكفي لإرواء طفل، ولكن واحدهم كالطود الشامخ لا يعبأ بشيء».
ثم يصف لنا كيف يقضون ليلهم فيقول: «وبعد صلاة المغرب، يقدم لهم الطعام الوحيد المتيسر وهو الأرز والسمك، وبعدها القهوة. ولا عجب أن ترى في مؤخرة كل مركب غواصاً مريضاً يشكو من مرض الإسقربوط. فإذا صلوا العشاء نام الجميع نومًا عميقًا.. ولكن أين؟ على فراش هزيل مكون من بساط خفيف ملقى على المحار.. ولم تخل رحلة الغوص من المخاطر، فقد تغرق السفينة بأكملها وقد تتعرض لهجمات بعض القبائل. وفي الكويت كانوا يؤرخون الحوادث، بسنة غرق بعض السفن الكبيرة مثل سفن السفر والنقل البحري. ويطلق الكويتيون كلمة (الطبعة) على الغرق.
لقد أوجد الغوص نظامًا اجتماعيًا موحدًا في الخليج العربي، فطبيعة العمل البدني المتشابه، ونمط كسب القوت المتشابه، قد وطدا هذه الوحدة الفكرية من جوانب عديدة.
وقد توحدت أهازيج البحر في الخليج مثل (الهولو) و(البرخة) و(اليامال) وصوت (النهام)، وهو المطرب البحري.. وكان مما يقوله وهو يودع الأهل المكلومين على الساحل: ودعتكم بالسلامة يا ضوى عيني.. بفراقكم ما غمض جفني على عيني.. واعدتني بالوعد لما تحقت عيني.. ظليت يا سيدي جسم بليا روح.. وعند رفع شراع السفينة استعدادًا للإبحار يبدأ النهام في ترديد: يا الله، يا الله يا الله شلنا وتوكلنا على الله، هولو.. يا سيدي هولو.. يا فزعة الله على ماليه.. نويت السفر سافر توكل على الله.. وعندما ترفع المرساة يردد البحارة ما يسمى بالجريحة، وهي نوع من التواشيح وتبدأ بقول النهام: يالله بدينا يالله صباح مبارك.. زيت يا من له الملك.. كريم تعلم بحالي.. علمك في سود الليالي.. ربي عليك اتكالي.. بشكي لك عما جرى لي.. مسكين أنا مسكين.. وعندما تقف السفينة على فصاص اللؤلؤ (الهير) يغني النهام: دار نزلنا وابرك دار.. على الهير والمحار.. وعند طي الشراع يأخذ البحارة في غناء ما يسمى (بالهولو) ويقولون فيه: هولو بين المنازل.. أي والله أسمر سباني.. هولو حلو الشمايل.. أي والله زين المعاني.. وهذه الأهازيج تعبر عن أحاسيس البحار، كما تبين لنا مدى حزنه وآلامه على فراق الأهل، ولكنه في نفس الوقت مؤمن إيمانًا قويًا بالله، متوكل عليه، وإيمانه هو البلسم الذي يخفف آلامه.
كما تتميز المنطقة الشرقية بفنونها الشعبية العريقة الأخرى، منها دق الحب والحصاد والليوة والغريسة والصوت الشعبي، والفجري وهو أحد الفنون البحرية الجماعية المشهورة. وينقسم إلى عدة أشكال هي:
الفجري البحري، الحدادي، الحساوي المخلوفي أو المخلوف، الحجازي، العدساني، وجميعها تقوم غالبًا على الموال الزهيري، وتستخدم معها الطبول والطارات والمراويس، وتؤدى جلوسًا ووقوفًا، وهذه الألوان الشعبية العريقة مستمدة من البيئة وتحاكي الأمواج في البحر.
كما أن العاشوري أحد الفنون الشعبية التي عُرفت في الماضي، وقد اختلف النقاد ومتابعو الفنون الشعبية في أصل هذا اللون الغنائي الشعبي ومرجعيته؛ باعتباره فكلورًا شعبيًا خالصًا. وقد أرجعه البعض إلى أنّه فلكلور شعبي معروف في منطقة الأحساء، إلّا أنّ البعض نسبه إلى البحارة، حيث يرددون هذا اللون خلال رحلتهم إلى الغوص، والفن العاشوري أحد الفنون التي تقدم في مناسبات الأعراس، وقد اشتهر بأداء هذا اللون؛ النساء أكثر من الرجال.. ومع مرور الوقت أخذ الفن العاشوري يتغير، وأصبح كل بلد من دول الخليج العربي يتغنى به بطريقته الخاصة، حيث يقدم من خلاله عدد من القصائد الخاصة والمشهورة.