كتاب

لطـــــــــــــش

عنوان المقال يحمل العديد من المعاني، ومنها السرقة السريعة المراوغة.. وفي عالم الطيران والفضاء نجد بعض الأمثلة العجيبة في هذا الشأن.. سأبدأ بقصة إحدى أهم التحولات التقنية في التاريخ، وهي دخول عصر النفاثات.. في نهاية الثلاثينيات الميلادية من القرن العشرين، قام الضابط «فرنك ويتل» في إنجلترا، والعالم «أوتو أوهين» في ألمانيا.. كلا منهما بدون علم الآخر.. باختراع المحرك النفاث للطائرات.. وتغيّر عالم الطيران ببطء في سنوات الحرب العالمية الثانية إلى أن انتهت في أغسطس 1945، وتسارعت بعدها الخطوات لتطبيق الدفع النفاث للطيران الحربي والتجاري.. لم يقتصر التحول في عالم الطيران على الزيادة الهائلة في السرعة فحسب، فكانت هناك فروقات كبيرة في الاعتمادية، وسهولة التشغيل، والارتفاع، والاهتزاز، والكفاءة.. وأصبحت إنجلترا الرائدة عالمياً في مجال تصميم وتصنيع المحركات النفاثة، وخصوصًا بعدما دخلت شركة «رولز رويس» المرموقة المجال بكل ثقلها.. وتسابق العالم الصناعي آنذاك على الحصول على أسرار «الصنعة».. تم تصنيع المحركات في الولايات المتحدة من شركة «جنرال إلكتريك» بترخيص بريطاني.. وفوجئ العالم بأكمله أن الحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء «أتلي».. على وزن «ططلي».. وافقت على بيع المحركات النفاثة البريطانية من طراز رولز رويس «نين» النفاثة للاتحاد السوفيتي، بدون بيع حقوق الإنتاج ولا الرسومات الهندسية.. يذكرني بالمثل القديم «سرقوا الصندوق.. ولكن مفتاحه معايا».. تم لطش تصميم المحرك وتصنيعه باسم «كليموف»، وزودت مقاتلة «الميج 15» النفاثة - التي أذهلت العالم - بذلك المحرك الجبار.. كانت من أنجح الطائرات، فقد أنتجت منها أكثر من ثلاثة عشر ألف طائرة في العديد من البلدان، وخدمت، ولا تزال تخدم في أكثر من عشرين قوة جوية حول العالم، علماً بأنها كانت في زمن ما؛ من أهم مكونات قوات الدول الشقيقة مصر، وسورية، والعراق، والجزائر، والمغرب.. وهنا يتضح لنا أحد أقوى الأمثلة على اللطش التقني بسبب اللقافة.

ومن عالم الطيران المدني، نجد أمثلة على اللطش بطريقة أخرى.. ففي مطلع الستينيات تهافت رواد عالم الطيران على إنتاج طائرة مدنية تستطيع أن تطير بسرعة تفوق سرعة الصوت.. سعت الولايات المتحدة لإنتاج طائرة «البوينج 2707» الأسرع من الصوت، فلم تنجح، وأقفلت الملف.. وتعاونت إنجلترا وفرنسا على تصميم وإنتاج طائرة «الكونكورد».. فنجحا، وطارت في نهاية الستينيات، ودخلت الخدمة في منتصف السبعينيات بنجاح.. وظهرت الطائرة السوفيتية من طراز «توبولوف 144»، وكأنها توأم الطائرة الأنجلو فرنسية.. وكانت درجة الشبه توحي باللطش التقني.. فأطلق الغرب عليها اسم «كونكوردسكي»، لأن العديد من الأسماء الروسية تحتوي على لفظ «سكي» في آخرها.. طبعاً في الستينيات كانت بداية الذروة للحرب الباردة، وكان التجسس مهتماً بالأنشطة السياسية، والعسكرية، والتعليمية، والتقنية، والتصنيع، وغيرها.


وأخيراً وليس آخراً، نجد مثال على اللطش من عالم الفضاء.. فعندما بدأ المكوك الفضائي نشاطه في مطلع الثمانينيات الميلادية، قدم الاتحاد السوفيتي نسخته من المكوك باسم «بوران»، بمعنى العاصفة الثلجية.. وكانت المركبة السوفيتية كأنها صورة طبق الأصل من المركبة الأمريكية، علماً بأن المكوك الأمريكي سجل 135 رحلة فضائية، بينما سجل السوفيتي رحلة واحدة فقط.

* أمنيـــــــــة:


تخيل عمليات اللطش التي تنفذ خلال قراءتك لهذا المقال.. سواء كانت على المستوى الفردي، أو المؤسساتي، أو على مستوى دول بأكملها.. أتمنى أن يقينا الله شرورها على الأرض، وفي البحر، والسماء، وهو من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح