كتاب

فرق تسد

هذه المقولة؛ القصيرة في محتواها، الكبيرة جداً في النتائج المترتبة عليها، متقادمة الطور والاستخدام، حيث استخدمت من قبل الدولة اليونانية والسومرية، وتتابع استخدامها حتى مجيء الدول الأوروبية الاستعمارية.. وهذه المقولة تستخدم لغرض تفريق القوى للدول المنافسة عند التفكير في السيطرة عليها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، من خلال تجزئتها إلى أجزاء متناحرة متصارعة، مشتتة القوى، كي تصبح أقل قوة وغير متحدة مع بعضها البعض، وهذا بالطبع يُسهِّل التعامل معها والسيطرة عليها وعلى ثرواتها من خلال استثمار ضعفها، وكانت تلك السياسة ناجحة بدرجة امتياز حينما طُبِّقت على البلاد العربية بعد أن قُسِّمت إلى دويلات متناحرة، ضمن معاهدة «سايكس بيكو»، التي خصصت مناطق النفوذ لكل من فرنسا وبريطانيا وروسيا، ولم تقتصر تلك الاتفاقية على الجانب السياسي فقط، بل تعدته إلى الجانب الاجتماعي من خلال تعزيز الخلافات القبلية التي تعد امتداداً للعصر الجاهلي، والتي لازالت آثارها تنخر قوى أكثر البلاد العربية حتى اليوم، ونشر المذهبية وتعزيز وجودها بين الدول، لتكون معوّل هدم آخر يُفكِّك ويُضعف القوى العربية، ولازالت المذهبية إلى يومنا هذا تقوم بدورها الهدام للمجتمع العربي والعقيدة، حيث تحولت تلك المذاهب إلى ما يشبه الأديان التي ينافح عنها أصحابها.

فالوطن العربي الممتد من الخليج إلى المحيط يزخر بالقوى البشرية والمادية التي تجعل منه قوة عظمى، لكن تلك السياسة - فرق تسد - أصبحت متجذرة في مفاصل الوطن العربي، وأهدرت تلك القوى.. فعلى سبيل المثال لا الحصر، الوطن العربي يمتلك قوة بشرية عظمي تستطيع فعل الكثير في النمو الحضاري لو اجتمعت وتكاتفت، كما يمتك الكثير من الثروات المعدنية والبترولية تحت الأرض تضعه في مقدمة دول العالم في رصيد تلك الثروات، كما يمتلك المواقع الإستراتيجية التي تستطيع أن تتحكم في الاقتصاد العالمي برمته، وتستطيع أن تجعل من تلك الثروات صناعات في مختلف المناحي الحياتية التي يحتاجها العالم.


لكن بالرغم من تلك الثروات البشرية والمادية؛ لايزال الوطن العربي مهدراً لقواه بسبب النواتج التي خلفتها سياسة «فرق تسد»، والتي تحولت إلى أدوات يستخدمها البعض من أبناء الوطن العربي ضد إخوانه، وأصبحت كل دولة تسعى لهدم قوى الدول المجاورة لها، وهذا للأسف الشديد ما يجعلنا نقول ونؤكد: إن تلك السياسة المشؤومة لازالت متمكنة من مفاصل وطننا العربي، ولا حل لها إلا بوطنٍ عربي موحد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولا نمو ولا قوة تتم وهي لازالت تنخر هذا الجسد. والله من وراء القصد.

أخبار ذات صلة

حتى أنت يا بروتوس؟!
حراك شبابي ثقافي لافت.. وآخر خافت!
الأجيال السعودية.. من العصامية إلى التقنية الرقمية
فن الإقناع.. والتواصل الإنساني
;
عن الاحتراق الوظيفي!
سقطات الكلام.. وزلات اللسان
القطار.. في مدينة الجمال
يومان في باريس نجد
;
فن صناعة المحتوى الإعلامي
الإدارة بالثبات
أرقام الميزانية.. تثبت قوة الاقتصاد السعودي
ورود
;
حان دور (مؤتمر يالطا) جديد
الحضارة والتنمية
خط الجنوب وإجراء (مأمول)!
الشورى: مطالبة وباقي الاستجابة!!