كتاب
رجاء عالم: رجاء المعنى
تاريخ النشر: 20 سبتمبر 2023 22:24 KSA
بين يديّ كتاب (بنية الحوار في مسرحيات رجاء عالم)، للدكتورة هدى الشمري. وهو كتابٌ تعرّفت على موضوعه بالصدفة؛ كنت مع ناقدنا الملهم د. سعيد السريحي، في رحلةٍ شيقة من رحلاتنا، نتحدّث عن رجاء عالم، لا أعلم ما الذي أحضرها لحديثنا، هي -عموماً- تحضر كثيراً، وكان الحديث عن تلك الرؤية المختلفة التي تقدمها في رواياتها ومسرحياتها، حين أخبرني السريحي أن هدى اتصلت تخبره أنها اختارت مسرحيات رجاء عالم موضوعاً لدراستها في الدكتوراة، طالبةً مساعدته للوصول إلى بعض مسرحيات رجاء عالم، تلك التي لم تنشر أو لم تعد موجودة في السوق. أخبرني صديقي عن بعض التفاصيل ثم علّق؛ «بدت لي الباحثة حريصةً تعرف ما تريد»، وأضاف: «لكنّ الطريق وعرةٌ أمامها». بعد عامين تقريباً، كانت الرسالة أمامي لأناقشها، ووجدت نفسي أستعيد ما خبرتُه عنها وعن رجاء، وانتابني القلق؛ فالتحدي كبير، والمنهج الذي اعتمدته الباحثة صعب متشعّب، يتطلّب معرفة واسعة وجهداً مضاعفاً.
لطالما كانت أعمال رجاء عالم تحدياً شاقاً أمام الباحثين؛ فرجاء لا تقبل بالعادي، ولا يرضيها السائد، بل إن أدبها أبعدُ ما يكون عن المباشرة والشعاراتية. ولعل واحدة من سمات أدبِ رجاء عالم المهمة أنه يقدّم رؤيةً مختلفة -بأسلوب مختلف- عن العالم من حولنا، رؤيةً جدليةً تثير التساؤلات، وتبعث على التأمل خارج الأطر المعتادة. وأن تختار الباحثة منهجاً وعِراً مثل (البنيوية التكوينية) يعني أن هاجسها سيكون الانطلاق من بنية النصوص المسرحية لاستخلاص هذه الرؤية التي ستمثّل -عبر إدراك تقاطعاتها الثقافية- رؤية العالم التي تعكسها هذه الأعمال. وكما عبر لوسيان قولدمان نفسه، فإن رؤية العالم هنا تشكّل «أداة عمل تصورية ضرورية لفهم صور التعبير المباشر لفكر الأفراد»، بقدر ما تعكس صورة لكل «الطموحات والمشاعر والأفكار التي تجمع أعضاء مجموعة وتجعلها في مواجهة المجموعات الأخرى».
في صباح المناقشة كان القلق قد بلغ مداه؛ فالمهمة صعبة كما قلت، ورجاء عالَمٌ من العلامات التي تتقاطع مع قضايا وأبعاد مختلفة، والبنيوية التكوينية ليست مراحاً هيّناً. كنت مسكوناً بالعمل؛ بالأفكار المطروحة، بدقة المنهجية، وبمنطقية التحليل. وبعد جهد شهور من القراءة والمراجعة وصلتُ إلى أن الرسالة مميزة علمياً، واكتمل المشهد حين ظهرت صاحبة الرسالة على قدر من الوعي الذي أهّلها للدفاع عن عملها باقتدار.
اليوم، يسعدني أن أتصفح الدراسة في كتاب؛ فجهد الباحثة يستحق أن يُقرأ، ورجاء عالم تستحق أن نحتفي بأدبها، احتفاءً يليق بقيمته وتأثيره. تتسم أعمال رجاء عالم بالعمق في تناولها للقضايا المطروحة؛ انطلاقاً من قضايا المرأة بمختلف اتجاهاتها، وصولاً إلى قضايا المكان والهوية والوجود.
والمعنى عزيز في أعمال رجاء عالم؛ يحتشد عالمها بالألغاز، والأحداث المحيّرة، والعلامات المشدودة للماوراء... وليس من المنطقي -والحال هذه- أن يكون اصطياد الدلالات في الآثار الأدبية سهلاً، وعمليةً سطحية بليدةً، بل إن المنطق يستدعي أن يكون الأدب، وهو الخطاب الذي يعتمد مستويات لغوية أكثر عمقاً، ويراد منه أن يؤدي وظيفته عبر مخاتلة الحقيقة والمجاز؛ أي أن يعني ما لا يقول مباشرة، يستدعي المنطق أن يكون المعنى في الأدب أكثر غموضاً وعمقاً، يحتاج المتلقي معه حفراً في الخطاب، وقراءات متتاليات، وتحليلاً منهجياً ناضجاً يعي أهمية ربط كل ما يقرأ بالكون السيميائي من حوله، وفقاً لمصطلح يوري لوتمان.
المعنى عزيز عند رجاء عالم؛ شخصيات مسرحياتها ليست عادية، لا تصادفها كل يوم، وحواراتها كذلك؛ ثورية غريبة، لا تصادفها في طريقك للعمل، ولا في حديث مصعد عابر... أما أفكارها فتحاول قدر الإمكان خدش البرزخ الذي يفصل العالم عن جوهره. إن البحث عن المعنى في أعمال رجاء عالم رحلة شاقة وشيّقة، رحلةٌ تشبهُ التسلل إلى رؤيا إنسان يحتضر، أو صوفيٍّ في حالة كشف، لرؤية ماذا يوجد في الـ ‹هناك›، وأين يوجد هذا الـ ‹هنا›. تقول رجاء: «أنا لا أفهم.. أعرف فقط أن تياراً ما يجرفني لمصير أرفضه... أنا لا أستطيع الاستسلام، ولا أقوى على الهرب...».
لطالما كانت أعمال رجاء عالم تحدياً شاقاً أمام الباحثين؛ فرجاء لا تقبل بالعادي، ولا يرضيها السائد، بل إن أدبها أبعدُ ما يكون عن المباشرة والشعاراتية. ولعل واحدة من سمات أدبِ رجاء عالم المهمة أنه يقدّم رؤيةً مختلفة -بأسلوب مختلف- عن العالم من حولنا، رؤيةً جدليةً تثير التساؤلات، وتبعث على التأمل خارج الأطر المعتادة. وأن تختار الباحثة منهجاً وعِراً مثل (البنيوية التكوينية) يعني أن هاجسها سيكون الانطلاق من بنية النصوص المسرحية لاستخلاص هذه الرؤية التي ستمثّل -عبر إدراك تقاطعاتها الثقافية- رؤية العالم التي تعكسها هذه الأعمال. وكما عبر لوسيان قولدمان نفسه، فإن رؤية العالم هنا تشكّل «أداة عمل تصورية ضرورية لفهم صور التعبير المباشر لفكر الأفراد»، بقدر ما تعكس صورة لكل «الطموحات والمشاعر والأفكار التي تجمع أعضاء مجموعة وتجعلها في مواجهة المجموعات الأخرى».
في صباح المناقشة كان القلق قد بلغ مداه؛ فالمهمة صعبة كما قلت، ورجاء عالَمٌ من العلامات التي تتقاطع مع قضايا وأبعاد مختلفة، والبنيوية التكوينية ليست مراحاً هيّناً. كنت مسكوناً بالعمل؛ بالأفكار المطروحة، بدقة المنهجية، وبمنطقية التحليل. وبعد جهد شهور من القراءة والمراجعة وصلتُ إلى أن الرسالة مميزة علمياً، واكتمل المشهد حين ظهرت صاحبة الرسالة على قدر من الوعي الذي أهّلها للدفاع عن عملها باقتدار.
اليوم، يسعدني أن أتصفح الدراسة في كتاب؛ فجهد الباحثة يستحق أن يُقرأ، ورجاء عالم تستحق أن نحتفي بأدبها، احتفاءً يليق بقيمته وتأثيره. تتسم أعمال رجاء عالم بالعمق في تناولها للقضايا المطروحة؛ انطلاقاً من قضايا المرأة بمختلف اتجاهاتها، وصولاً إلى قضايا المكان والهوية والوجود.
والمعنى عزيز في أعمال رجاء عالم؛ يحتشد عالمها بالألغاز، والأحداث المحيّرة، والعلامات المشدودة للماوراء... وليس من المنطقي -والحال هذه- أن يكون اصطياد الدلالات في الآثار الأدبية سهلاً، وعمليةً سطحية بليدةً، بل إن المنطق يستدعي أن يكون الأدب، وهو الخطاب الذي يعتمد مستويات لغوية أكثر عمقاً، ويراد منه أن يؤدي وظيفته عبر مخاتلة الحقيقة والمجاز؛ أي أن يعني ما لا يقول مباشرة، يستدعي المنطق أن يكون المعنى في الأدب أكثر غموضاً وعمقاً، يحتاج المتلقي معه حفراً في الخطاب، وقراءات متتاليات، وتحليلاً منهجياً ناضجاً يعي أهمية ربط كل ما يقرأ بالكون السيميائي من حوله، وفقاً لمصطلح يوري لوتمان.
المعنى عزيز عند رجاء عالم؛ شخصيات مسرحياتها ليست عادية، لا تصادفها كل يوم، وحواراتها كذلك؛ ثورية غريبة، لا تصادفها في طريقك للعمل، ولا في حديث مصعد عابر... أما أفكارها فتحاول قدر الإمكان خدش البرزخ الذي يفصل العالم عن جوهره. إن البحث عن المعنى في أعمال رجاء عالم رحلة شاقة وشيّقة، رحلةٌ تشبهُ التسلل إلى رؤيا إنسان يحتضر، أو صوفيٍّ في حالة كشف، لرؤية ماذا يوجد في الـ ‹هناك›، وأين يوجد هذا الـ ‹هنا›. تقول رجاء: «أنا لا أفهم.. أعرف فقط أن تياراً ما يجرفني لمصير أرفضه... أنا لا أستطيع الاستسلام، ولا أقوى على الهرب...».