كتاب

الشاكِرات المُضطربات!

شاهدتُ مقاطع مصوّرة لإحدى السيّدات، عافاها الله، وهي تتحدّث بثقةٍ عجيبة وأسلوبٍ لا يخلو من الطرافة، عن اضطراباتٍ عضوية ونفسيةٍ وسلوكية عديدة، ترتبط في رأيها بمُشكلات «الشّاكرات» واتصالها «بالجسم الأثيري» و»الشّبكات»، ومسارات الطاقة وانسدادها وانفتاحها، وتؤثّر – بحسب قناعتها – على الأقدام، ومفاصل الرُّكبة والعمود الفقري و»العُصعُص» والعضلات والأبهر، وحتى مُشكلات الرّحِم والغدّة النشطة والخاملة، والشعور بالعار، وصعوبة البلع والكلام، واضطرابات الكبد والكلى و»جهاز الإخراج»، فضلاً عن الاكتئاب واضطراباتِ النوم وفرط الحركة، والخمول والكسل والخوف من الموت، وفقدان الأمان والشغف، والتسويف والإحباط، وجروح «الطفل الداخلي»، والعناد السلوكي والعُقد النفسية، ومُشكلات التخاطب والعَلاقات الشخصية، وحتى البرود الجنسي، وغيرها!.

وهنا أطرح تساؤلا مُحيّراً: كيف يمكن لأيّ شخص، أن يتحدّث بتلك الثقة المُفرطة، والنبرة اليقينية، والجرأة مُنقطعة النظير، عن أمراض عضوية واضطرابات نفسية وسلوكية دقيقة، يستدعي تصنيفها ابتداءً معايير علمية مُنضبطة؛ من مرجعيّات طبّية وصحيّة مُعتمَدة، ناهيك عن تشخيصها الذي يستدعي العرض على أطباء مُتخصصين، نظراً لتشابه الأعراض وتداخلها، بمساعدةِ فحوصاتٍ وأشعّات طبيّة واستشاراتٍ متنوّعة، للتأكد من سلامة وسائل العلاجات المُختلفة؟.


لكنّ التساؤل الأكثر إلحاحاً: كيف استطاع أصحاب الطّاقة والشّاكرات، وغيرهم من المُشتغلين بالعلوم «الهُلاميّة» الأخرى، تأسيس قاعدةٍ عريضة من جمهور مُتحمّس، واستمالة متابعين كثُر، وإقناعِهم بما يدّعونه من أوهام، ويبثُّونه من ألفاظ فخمةٍ ومصطلحات ضبابية لزجة، ومعلوماتٍ غير مُثبتة علميّاً، وجعلهم يُنفّذون تعليماتِهم السّاذجة من غير اعتراضٍ أو تفكير أو مُراجعة؟.

يبدو أنّ الثقافة الاجتماعية مهيّأة في الأساس للتصديق بالأوهام والخُرافات، وتُرّهات بعض المهووسين والمُدّعين، في غمرة انفلات التعرّض لمنصّات الإعلام الهَزلي، مما دفع بعضهم للظنّ بأنهم يزدادون معرفةً وثقافة، وهم في واقعهم يزدادون توهّماً وجهالة وتعصّباً وبَلاهة. كما استغلّ بعض المُنتفعين أو المُصابين بالعُصاب، انتشار المُعاناة من اضطرابات المِزاج والقلق والشّخصية، والجهل الصحّي، والإحباطات الشديدة، والآلام الدّفينة، والعُقد النفسية، والمُشكلات الاقتصاديةِ والعائلية، فخلطوا بعضاً من دينٍ، وعلمٍ، وشعوذةٍ، ويوجا، وهندوسيةٍ، وتنميةِ ذات، وإيحاءات، ليقدّموا «لمُريديهم» علوماً زائفة، ووجباتٍ فكرية مُختلَطة أشبه بالخمر المغشوشة!.


يقول الفيزيائي الأمريكي «لورانس كراوس»: (يكمُن جمالُ العلم في عدم ادّعائه معرفة الأجوبةِ قبل طرح الأسئلة.. ولا أرى عيباً في عدم معرفتك الإجابة، فهذا يعني أنّه لازال أمامنا الكثير لنتعلّمه، وكما قلتُ سابقاً: يُزعجني الجهلُ بشكلٍ أقلّ بكثير مُقارنة مع وهْم المعرفة).

أخبار ذات صلة

شهامة سعودية.. ووفاء يمني
(مطبخ) العنونة الصحفيَّة..!!
رؤية وطن يهزم المستحيل
ريادة الأعمال.. «مسك الواعدة»
;
هل يفي ترامب بوعوده؟
رياضة المدينة.. إلى أين؟!
جيل 2000.. والتمور
التراث الجيولوجي.. ثروة تنتظر الحفظ والتوثيق
;
قصَّة أوَّل قصيدة حُبٍّ..!
حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
;
الحُب والتربية النبوية
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح