كتاب

الألم.. يُغيّر الإنسان

لعلّ أسوأ الأعراض المَرضية، تلك الآلام المُزمنة التي تتسبّب في مُضاعفاتٍ نفسيّة مزاجيّة وبدنيّة فظيعة، فهي أكبر من قدرة كثيرين على الاحتمال. وهنا، يجب التركيزُ على مفهوم «عتبة الألم»، وهي النقطةُ التي من بعدها يتسبّب «مُنبّهٌ ما» باستثارة الشُّعور بالألم، وهي تتفاوتُ بدرجاتٍ مُذهلةٍ من شخصٍ لآخر، وهذا التفاوتُ الكبير، هو ما يتسبّب في اختلافِ استجابة كثيرين للآلام المُتنوّعة، وتفاقمِ غيظهم وإحباطِهم، نتيجةَ صعوبة تعبيرهم عن كُنهِها، وتعذّر شرح مُعاناتهم منها للآخرين.

الآلام المُزمنة باختلافِ أسبابها ومُضاعفاتها، من أصعب التحدّيات الطبيّة والأخلاقية المهنيّة التي تواجه الأطبّاء، إذ يتسبّب سوءُ الفهم وقلّة الوعي في استمرارِ مُعاناة مريضِ الألم المُزمن، وإصابته بخيباتِ أملٍ واختلالٍ في نمطِ حياته، واضطراباتِ نومٍ، وإعياءٍ مزمن، وفرطِ قلقٍ وتوتّر، وتقييد نشاطه البدني وارتباطاته الاجتماعية، فضلاً عن اضطرابات المِزاج، ومن ثمّ الدخول في حلْقة مُفرَغة من المُضاعفات المُزمنة.


فمثلا، تُعيق الآلامُ المُزمنة للالتهابِ الليفي العضَلي (فايبروميالجيا) نموّ القُدرات، وتحدّ من الإنتاجيةِ والعَلاقات الاجتماعية، وتسرقُ من العُمْر لحظاتٍ كان يُمكن استغلالها في الاستمتاعِ بمباهِج الحياة، وهي مرتبطةٌ بالاكتئابِ والحرمانِ من النوم وتدهورِ النشاط البدني. ولهذا، يستدعي الألمُ تفهّما عميقاً وتقديراً كبيراً من الأطبّاء والمُمارسين الصحّيين، وعدمَ تجاهله أو التقليلَ من شأنه مهما كانت درجتُه وأسبابه. إنّ أسوأ من الألم، مُحاولة شرحه، لكنّ الأسوأ على الإطلاق، أنّ أكثرهم لا يُمكنهم، بعد شرحه، فهمه!.

وممّا يزيد الأمرَ بؤساً، تردّد كثيرٍ من المرضى في تناول مُضادّات الاكتئاب والألم بوصفاتٍ طبية، ويُفضِّلون تحمّل الآلام، والمُعاناة من اضطرابات المِزاج والنّوم على استعمالها، مع أنّها - بشكلٍ عام - فعّالةٌ وآمنة، وتُوفّر عليهم معاناةً طويلة الأمد. لكن الأسوأ، تجاهل كثيرٍ من الأطبّاء وصف مُضادّات الألم المُناسِبة، بالرّغم من وضوح الأسباب والتشخيص، وتجنّبهم مُناقشة تأثير تلك الآلامِ على الحالات الذّهنية والنشاطات البدنيّة والوظيفيّة للمريض، وتخوّفهم من وصفِ بعض الأدوية الضروريّة المُقيّدة طبيّاً لاعتباراتٍ غيرِ وجيهة، فتستمرُّ مُعاناةُ المريض، وتتدهورُ حالته الصحيّة.


يصفُ الفيلسوف (أبيقور) الّلذة في أبسط وأهمّ صورها بأنّها: «انعدامُ الألم في الجسم والاضطراب في النّفس»، وبهذا الوصفِ البليغ، يجبُ على المرء أن يكون مُمتنّا للشعور بالسّعادة في أهمّ أشكالها، حقيقةً وتواضعاً، وهي: غياب الألم.

أخبار ذات صلة

حواري مع رئيس هيئة العقار
الحسدُ الإلكترونيُّ..!!
مستشفى خيري للأمراض المستعصية
الحُب والتربية النبوية
;
سلالة الخلايا الجذعية «SKGh»
التسامح جسور للتفاهم والتعايش في عالم متنوع
التقويم الهجري ومطالب التصحيح
كأس نادي الصقور.. ختامها مسك
;
المدينـة النائمـة
كتاب التمكين الصحي.. منهج للوعي
الإسلام.. الدِّيانة الأُولى في 2060م
ما لا يرضاه الغرب للعرب!
;
العمل الخيري الصحي.. في ظل رؤية 2030
القمة العربية الإسلامية.. قوة وحدة القرارات
يا صبر عدنان !!
احذروا البخور!!