كتاب

الحقائق والشكوك حول التغيرات المناخية تهدد المصالح الاقتصادية وفرص الاستثمار

منذُ بداية مؤتمرات الأطراف، هناك مَن يروِّج لنظريَّة المؤامرة التي تقول إنَّ التغيُّر المناخيَّ مكيدةٌ اخترعتها الدولُ الصناعيَّةُ لوضعِ قيودٍ تعوق تطوُّر الدُّول النَّامية، أو أنَّه إحدى آليَّات إعادةِ صياغة نظامٍ عالميٍّ جديدٍ يختلفُ عن ترتيباتِ ما بعد الحَربين العالميتين، ولهذا ظلَّت السياسة وأدواتها حاضرةً في كلِّ مؤتمرات التغيُّر المناخيِّ، وتجدُ على هامشها كثيرًا من الاحتجاجاتِ والمظاهراتِ والفعاليَّاتِ التي تمثِّلُ أدواتِ التَّباين في الممارساتِ السياسية، مثل دور الأديان السماويَّة في الحفاظ على البيئة، ودور الأقليَّات، أو دور المرأة في تخفيض الانبعاثاتِ، ودور نظريَّات النموِّ الاقتصاديِّ واستحواذ الثَّروات في مشكلات البيئة.

ونتيجةً لارتكاز المفاوضات على أجندات سياسيَّة لها أسسٌ اقتصاديَّةٌ لإعادة توزيع الثَّروات، سواء من الموارد الطبيعيَّة أو الإنتاج، تزايدَ عددُ المشكِّكين في قضيَّة الاحتباس الحراري؛ بسبب اختلاف الأسس العلميَّة للتفرقة بين التغيُّرات الطبيعيَّة، وتلك التي تحدث نتيجة النَّشاط الإنسانيِّ نتيجة وجود فجوة بين مناهج البحث العلميَّة، ونتائج وتوقعات وتفسيرات المجتمع الدولي للتغيُّرات الملموسة فعليًّا. فبينما تؤكِّد اللجنةُ الحكوميَّةُ المعنيَّةُ بدراسة التغيُّر المناخي التابعة لهيئة الأمم المتَّحدة (والتي تموِّل نشاطَها الدُّولُ الأعضاءُ في الأمم المتَّحدة) على أنَّ المتسبِّب الرئيس لظاهرة الاحتباس الحراري هي أنشطة الإنسان، يعتقدُ البعضُ الآخرُ أنَّها مجرَّد دوراتٍ طبيعيَّةٍ، ومنهم مَن يؤكِّد أنَّ الاهتماماتِ بالتغيُّر المناخيِّ يرتبطُ بقدرٍ كبيرٍ بالمكاسب الماديَّة والسياسيَّة، (ومنهم مَن يتلقَى تمويلًا من شركات الطَّاقة الأحفوريَّة، وخاصَّةً الفحم والبترول). وحاول بعضُهم الاستدلال بمشكلة اتِّساع ثقب الأوزون، والتي أيضًا أكَّد العلماءُ مساهمة الأنشطة البشريَّة، والمواد الكيميائيَّة المستخدمة في التطبيقات الصناعيَّة والتجاريَّة، كالثَّلاجات، ومكيِّفات الهواء، وأجهزة إطفاء الحريق في استنفاد طبقة الأوزون، والتي هدَّدت جهاز مناعة الإنسان، والإضرار بصحَّة العيون، وارتفاع الإصابة بسرطان الجلد، وأيضًا انخفاض القدرة الإنتاجيَّة للنباتات؛ ممَّا يهدِّد الأمنَ الغذائيَّ على سطح الكُرة الأرضيَّة، حيثُ تضمَّنت الحلول التي عُرضت للمساهمة في حماية طبقة الأوزون، تجنُّب المنتجات المسُتنفدة للأوزون، مثل منتجات عبوات الضغط التي تحتوي على مركبات الكلور، والفلور والكربون، والتخلُّص من الثَّلاجات والمجمِّدات ووحدات تكييف الهواء المُصنَّعة قبل عام 1995، وبالتَّالي لصالح الشركات المنتجة للبدائل الحديثة.


وعلى الرغم من أنَّ الاتِّفاقيَّة رسخَّت مبدأ 'الحيطة' الذي يدعو إلى عدم اتِّخاذ نقص اليقين العلمي ذريعةً من أجل تأجيل تنفيذ إجراءات فوريَّة؛ ضمانًا وتأمينًا للمستقبل من أيِّ أخطار يمكن مواجهتها والتَّأقلم معها، فإنَّ المفاوضين خلال المؤتمرات يتحججون بأعذار عدم التأكُّد، وعدم اليقين العلمي، وعدم كفاية البيانات لإضعاف بعض القرارات الحاسمة. ولكن بغضِّ النَّظر عن الاختلاف في أسباب المشكلة، فإنَّ دول العالم تقرُّ بواقع المشكلة وتعاظمها، وبالتالي ضرورة إيجاد حلول عمليَّة للمشكلة، ولهذا قد تتوافق الدول في اجتماعها هذا الشهر في دبي حول المحاولات، وقد تنجح في الاتِّفاق على آليَّات تضمن نجاح تلك المحاولات. ومن أهم عوامل التَّحفيز لإنجاح المؤتمر 28 تعدُّد الفُرص الاستثماريَّة في حالة إعطاء الدول الأطراف في الاتِّفاقيَّة الإطاريَّة للأمم المتَّحدة حول التغيُّر المناخيِّ إشارةً قويَّةً بأنَّهم أصبحوا أكثر التزامًا بتخفيض انبعاثات الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري، أو أي كوارث ناجمة عنه، والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر لصالح الاستثمار في مصادر الطَّاقة النظيفة والآمنة والسليمة. وعندئذٍ سيتمكَّن القطاعُ الخاصُّ الدخولَ في فرص جديدة للاستثمار في الاقتصاد الأخضر، وخاصَّةً التي ترفع من كفاءة الطَّاقة والكربون الدائريِّ، والطَّاقة المتجدِّدة، والإنتاج والاستهلاك المُستدام، وتقنيات الزِّراعة المُستدامة، بجانب زيادة وسائل النَّقل المعتمِدَة على طاقة الكهرباء والهيدروجين، كما سيتمُّ إنشاء المزيد من الشَّركات الجديدة في مجالات الاتِّجار في حصص انبعاثات الكربون، سواء الشركات الاستشاريَّة أو شركات السمسرة، أو صناديق الاستثمار في الكربون، واستحداث المزيد من الوظائف والمهن الخضراء في مجالات تخطيط وتنفيذ مبادرات الحدِّ من التغيُّرات المناخيَّة. وكذلك سيتمُّ فتح أسواق جديدة في الدول النَّامية فيما يتعلَّق بالتقنيات النَّظيفة والخدمات البيئيَّة الخاصَّة بالتكيُّف مع المخاطر البيئيَّة الناجمة عن تغيُّرات المناخ في قطاعات الزِّراعة، والموارد المائيَّة، والساحليَّة، وغيرها.

ويشكِّلُ عقد المؤتمر في المنطقة التي تعتمد في اقتصادها على الوقود الأحفوري فرصةً لإظهار جهودها المستمرَّة لتنويع القاعدة الاقتصاديَّة، وتحفيز التَّعاون مع جميع الأطراف؛ لتزيد من معدلات استثماراتها في مجال نقل التقنية والاستثمار في الطَّاقة المتجدِّدة، وكذلك الاستفادة من العديد من التطوُّرات التقنيَّة خلال السنوات الأخيرة، والفرص المتزايدة لتمويل هذا النوع من الاستثمارات. مثل تبنِّي المملكة العربيَّة السعوديَّة المبادرة الخضراء لتعزيز الكفاءة، وتعديل أنماط الاستهلاك، والتحوُّل إلى أنماط الإنتاج الأنظف، وتعميم استخدامات الطَّاقة المتجدِّدة مثل 'إنتاج الهيدروجين' كناقل نظيف للطَّاقة وتصديره مسيلًا، وكذلك تبني «اقتصاد الكربون الدائري»، من خلال أبحاث وتطبيقات محليَّة وشراكات دوليَّة.


وكالعادة يرتفعُ سقف التوقُّعات لدى القطاع الخاص والمجتمع المدني عند سماع الحماس الذي يظهره معظم رؤساء الدُّول في خطبهم الافتتاحيَّة في مؤتمرات الأطراف، إلَّا أنَّ التفاؤلَ يبدأُ في الخفوت نتيجة ظهور الخلافات عند صياغة التَّوصيات نتيجة تباين الآراء حول توزيع أعباء التَّصدي للتغيُّر المناخي، ومن يبدأ؟ ومتى؟ ومَن يتحمَّل التكاليف؟ وعدد كبير من التساؤلات عن مصير الانبعاثات وآثارها.

ويتوقَّف نجاح المفاوضات على الالتزام الحقيقي بأهم مبادئ الاتِّفاقيَّة والمتمثِّل في مبدأ 'المسؤوليَّة المشتركة لكنْ المتباينة' الذي يدعو جميع الدُّول للمشاركة الإيجابيَّة لمجابهة المخاطر البيئيَّة العالميَّة، باعتبار أنَّ تغيُّر المناخ مسؤوليَّة مشتركة بين الدول لكن بدرجات متفاوتة، وفقًا لإمكاناتها بحيث تتعاظم مسؤوليَّة الدُّول الصناعيَّة لامتلاكها القدرات التمويليَّة والتقنيات الملائمة، والمؤسسات القادرة، والكوادر المؤهَّلة واللازمة للتصدِّي لمشكلة تغيُّر المناخ، وأيضًا لأنَّها تتحمَّل العبءَ الأكبرَ من مسؤولية المشكلة بعد تجاهل الدُّول الصناعيَّة منذُ الثورة الصناعيَّة البيئيَّة، وإهمال التَّكاليف التي يتحمَّلها البشر نتيجة الإخلال بالتوازن البيئي، وتدهور الأوضاع البيئيَّة لكوكب الأرض.

فواقعُ الأمور تؤكِّدُ أنَّه إذا قامتْ دُول العالم بعمل موازنة بيئيَّة لرصد الأصول المُتاحة حاليًّا من الموارد الطبيعيَّة، فإنّها ستجدُ على الدول الصناعيَّة دَينًا طبيعيًّا أو بيئيًّا (natural debt) للدُّول النَّامية، بحيث يتطلَّب تحمُّل الدُّول الصناعيّة مسؤوليَّاتها التاريخيَّة عن التَّدهور البيئي العالمي، والعمل على تقليص وسداد ديونها؛ لضمان كفاية وصلاحيَّة الموارد للأجيال القادمة.

أخبار ذات صلة

مُد يدك للمصافحة الذهبية
السعودية.. الريادة والدعم لسوريا وشعبها
المتيحيون الجدد!
المديرون.. أنواع وأشكال
;
أين برنامج (وظيفتك وبعثتك) من التطبيق؟!
علي بن خضران.. يد ثقافية سَلفتْ!
من يدير دفة الدبلوماسية العامة الأمريكية؟!
الرياض.. بيت العرب
;
جميل الحجيلان.. قصص ملهمة في أروقة الدبلوماسية
الجزيـــــــرة
إدارة الجماهير.. وإرضاؤهم
المملكة.. ودعم استقرار سوريا
;
ولي العهد.. أبرز القادة العرب المؤثرين
العمل بعمق
(الروبوت).. الخطر القادم/ الحالي
عشوائية مكاتب (الاستقدام)!