كتاب

تحديات المؤتمر الثامن والعشرين لإعادة تشكيل مسار العمل المناخي الدولي

تستضيفُ الإمارات العربيَّة المتَّحدة الدورة الـ28 لمؤتمر الدُّول الأطراف في اتفاقيَّة الأمم المتَّحدة الإطاريَّة لتغيُّر المناخ 28 COP، خلال الفترة من 30 نوفمبر- 12 ديسمبر 2023م في مدينة دبي. ويشارك ممثِّلو حكومات نحو 194 دولةً وقَّعت على اتفاقيَّة الأمم المتَّحدة الإطاريَّة بشأن تغيُّر المناخ (UNFCCC)، باعتبارها الهيئة العُليا للاتفاقيَّة. ومنذُ انعقاد أوَّل مؤتمر للأمم المتَّحدة حول التغيُّر المناخي (أبريل 1995م) في برلين (ألمانيا)، يستمرُّ انعقاده سنويًّا في عدَّة مدن كان آخرها نوفمبر العام الماضي في شرم الشيخ (مصر)؛ لمتابعة تنفيذ الاتفاقيَّة، وتقييم التقدُّم المُحرَز فيها، وتدقيق التزامات الدُّول الأطراف ومدى كفايتها وفقَ التَّقارير الوطنيَّة، وسبل تعبئة الموارد الماليَّة اللازمة لتحقيق الاتفاقيَّة.

ويُعقد المؤتمرُ الثامنُ والعشرُون في توقيتٍ تواجه فيه عدَّة دول تحدِّيات التَّزايد في عدد وعنف الكوارث الطبيعيَّة التي عصفت بها في شكل زلازلٍ وفيضاناتٍ وأعاصيرَ وجفافٍ وحرائقَ غاباتٍ وارتفاعٍ قياسيٍّ في درجاتِ الحرارة، بجانب النِّزاعات الجيوسياسيَّة، وخاصَّةً الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة، وتعدُّد أطرافها بين الولايات المتَّحدة والصين، ثُمَّ طوفان الأقصى الذي زاد الانقساماتِ والتَّوتراتِ بينَ دولِ العالم، وانعكاسات الآثار الاقتصاديَّة السلبيَّة والملموسة فعلًا على الاقتصاد العالميِّ. ولهذا تفرض هذه التحدِّيات غير المسبوقة على حكومات دول العالم حتميَّة بذل مزيدٍ من الجهود لتحمُّل مسؤوليَّاتها 'المشتركة والمتباينة'؛ لإنجاح هذا المؤتمر وإحرازه التقدُّم المنشود على طريق خفض الانبعاثات، ووقف الارتفاع في درجات الحرارة المسبِّب للاحتباسِ الحراريِّ؛ للحدِّ من آثاره السلبيَّة، وكذلك اتِّخاذ خطوات عمليَّة وملموسة لدعم جهود الدُّول النَّامية للتأقلم مع آثار التغيُّر المناخيِّ، وخاصَّةً أنَّ الدُّول المتقدِّمة المسؤولة عن معظم انبعاثات الاحتباسِ الحراريِّ (سواء الآن أو في الماضي) لم تُوفِ -حتَّى الآن- بالتزاماتِها لتوفير 100 بليون دولار سنويًّا لتمويل جهود الحدِّ من آثار التغيُّرات المناخيَّة والتكيُّف معها في الدُّول النَّامية، ولهذا تتطلَّع شعوبُ العالم إلى 'كوب 28' ليكونَ انطلاقًا نحو تنفيذ الوعود، لا استمرار التَّأكيد عليها.


سيشهد COP 28 تقييم المراجعة المقرَّر إجراؤها كلَّ خمس سنوات لتدقيق التقدُّم الجماعيِّ العالميِّ الذي تمَّ إحرازه نحو تحقيق أهداف اتفاقيَّة باريس لعام 2015 للحدِّ من الاحتباس الحراريِّ، وما الذي يتطلَّبه العالم إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراريِّ؛ للحفاظِ على متوسط ارتفاع درجة الحرارة أقل من درجتين مئويَّتين (3.6 فهرنهايت) كهدفٍ محوريٍّ لعام 2030م لإنقاذ كوكب الأرض من تداعيات تغيُّر المناخ.

ومع وجود مؤشِّرات تؤكِّد أنَّ العالم ما يزال بعيدًا عن المسار الصحيح لتحقيق الأهداف، تركِّزُ رئاسةُ قمَّة 'كوب 28' على تعزيز تكاتف الجهود العالميَّة لتتيح للأطراف المعنيَّة التفاوض لتحقيق نتائج طموحة، ضمن إطار خريطة طريق لبناء مستقبلٍ مستدامٍ ومرنٍ للعالم عبر إجراءات تصحيح جذريَّة لمسار العمل المناخي العالمي لتحويل التعهُّدات والوعود إلى تقدُّمٍ ملموس في التصدِّي لأزمة المناخ، وتحقيق هدف تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئويَّة.


وتشمل تلك الإجراءات تسريعَ تحقيق انتقال منظَّم ومسؤول وعادل في قطاع الطَّاقة عبر استخدام رأس المال والتكنولوجيا؛ للحدِّ من الانبعاثات (مثل استخدام الهيدروجين، واحتجاز الكربون) وتوسيع نطاق مصادر الطَّاقة المتجدِّدة، وتطوير أداء التَّمويل المناخيِّ لتوفير صندوق نشط يعمل بكامل طاقته لتعويض الدُّول الفقيرة المتضرِّرة من تغيُّر المناخ، وتحسين الحياة وسُبل العيش من خلال إيفاء الدُّول الغنيَّة بالتزامها بتوفير تمويلٍ سنويٍّ للمناخ بقيمة 100 مليار دولار.

وبجانب الأمل في تفعيل المفاوضات العالميَّة لتسريع العمل للحدِّ من ظاهرة الاحتباس الحراريِّ، فإنَّ بعض الدُّول ستطالبُ بضرورة التَّفهم الدوليِّ لكافَّة الآثار المترتبة على محاولات التخلُّص من الوقود الأحفوريِّ، بما في ذلك الفحم، بحيث يجب مراعاة حاجة الدُّول النَّامية لهذا الوقود؛ لتوسيع قدرتها الكهربائيَّة من أجل التنمية الاقتصاديَّة، كما فعلت الدُّول المتقدِّمة لعقودٍ طويلةٍ.

وقد يكون هناك شبه إجماع على ضرورة توجيه السياسات والاستثمارات بعيدًا عن التلوُّث النَّاجم عن الطَّاقة من خلال التوسُّع في استخدام تكنولوجيا احتجاز الانبعاثات، والإسراع في إزالة الكربون من الطَّاقات التي نستخدمها، أو -على الأقل- تهيئة الظروف لتوفير المزيدِ من الطَّاقة مع انبعاثاتٍ أقل، وجعل ذلك ممكنًا.

وبرغم الانتقادات التي وُجهت إلى اختيار عقد المؤتمر في إحدى كُبْرَى منتجي النفط في العالم؛ إلَّا أنَّ تعدُّد المزايا الإيجابيَّة لاستضافة الإمارات لـ'كوب 28' تجعلها الأجدر والأقدر على إعادة تشكيل مسار العمل المناخيِّ الدَّوليِّ لتحقيق أعلى الطموحات نحو تعزيز التَّنمية المُستدامة. حيث تُعتبر الإمارات من الدُّول الرَّائدة في التِّصدي للتحدِّيات المناخيَّة، ودفع الجهود الدوليَّة لتعزيز الجهود العالميَّة لتعزيز أمن الطَّاقة، ونشر تطبيقات التكنولوجيا النَّظيفة، وكانت الدولة الأولى في المنطقة، التي تعلن عن مبادرة لتحقيق الحياد المناخيِّ بحلول عام 2050، وأوَّل دول المنطقة التي وقَّعت على اتفاقيَّة باريس للمناخ.

وتسعى دولةُ الإمارات إلى مدِّ جسور التَّواصل والتَّعاون مع المجتمع الدوليِّ، من خلال استضافة قمَّة 'كوب 28' التي يتفاعل خلالها أكثرُ من 75 ألفَ مشاركٍ، بمن فيهم رؤساء الدُّول والحكومات والوزراء، وممثِّلُون عن المنظَّمات غير الحكوميَّة، والقطاع الخاص، وفئات المجتمع المتنوِّعة، والشباب لتحقيق أعلى الطموحات المناخيَّة، وتعزيز التَّنمية المُستدامة. وسيتيح المؤتمر -خلال انعقاده- الفرصةَ لتوحيد الجهود، والاستفادة من تبادل الخبرات والثَّقافات والمعارف، وتقديم صورة واقعيَّة عن المجتمع الإماراتيِّ والخليجيِّ، بحيث تُسهم في تعريف العالم بإرثِ المنطقة الغنيِّ في مجال الاستدامة والعمل المناخيِّ. وكذلك يتيح المؤتمر فرصةً إضافيَّةً لخدمة قضايا هامَّة مثل: الأمن المائي ومدى تأثُّره بالتغيُّر المناخيِّ، بجانب استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبيَّة، وترويج السِّياحة، وصناعة المنتجات الوطنيَّة والتقليديَّة، والتي ستُعرض في معارض على هامش المؤتمر، وسيزيدُ الإعلامُ الدوليُّ المتابع لقضايا التغيُّر المناخيِّ من المتابعات الخاصَّة بالإنجازات الهامَّة في المنطقة في مجال البيئة، وأهميَّة توسيع مجالات التَّعاون لإطلاق عددٍ من المبادرات الدوليَّة والإقليميَّة والوطنيَّة؛ للحدِّ من التغيُّر المناخيِّ أو التأقلُم مع آثاره بشكلٍ عمليٍّ ملموسٍ في مجالات الطَّاقة والمياه، وتحقيق أهداف التَّنمية المُستدامة من خلال تحفيز الدُّول الصناعيَّة على دعم وتمويل وتنفيذ مبادرات عمليَّة على أرض الواقع في الدُّول النَّاميةِ.

أخبار ذات صلة

مُد يدك للمصافحة الذهبية
السعودية.. الريادة والدعم لسوريا وشعبها
المتيحيون الجدد!
المديرون.. أنواع وأشكال
;
أين برنامج (وظيفتك وبعثتك) من التطبيق؟!
علي بن خضران.. يد ثقافية سَلفتْ!
من يدير دفة الدبلوماسية العامة الأمريكية؟!
الرياض.. بيت العرب
;
جميل الحجيلان.. قصص ملهمة في أروقة الدبلوماسية
الجزيـــــــرة
إدارة الجماهير.. وإرضاؤهم
المملكة.. ودعم استقرار سوريا
;
ولي العهد.. أبرز القادة العرب المؤثرين
العمل بعمق
(الروبوت).. الخطر القادم/ الحالي
عشوائية مكاتب (الاستقدام)!